لاتفاقهم على الكفر ، وتشابه قلوبهم. وقد أجابت عنها الرسل بقولهم : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ). (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) وهذا جراءة منهم وظلم ، وقول زور ، قد انطووا على خلافه. فإنه ما من رسول من الرسل ، واجه قومه ودعاهم ، وجادلهم وجادلوه ، إلا وقد أظهر الله على يديه من الآيات ، ما به يتيقنون صدقه وأمانته ، خصوصا شعيبا عليهالسلام ، الذي يسمى خطيب الأنبياء ، لحسن مراجعته قومه ، ومجادلتهم بالتي هي أحسن. فإن قومه قد تيقنوا صدقه ، وأن ما جاء به حق ، ولكن إخبارهم عن ظن كذبه ، كذب منهم.
[١٨٧] (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي : قطع عذاب تستأصلنا. (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) كقول إخوانهم (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢) ، أو أنهم طلبوا بعض آيات الاقتراح ، التي لا يلزم تتميم مطلوب من سألها.
[١٨٨] (قالَ) شعيب عليهالسلام : (رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي : نزول العذاب ، ووقوع آيات الاقتراح ، لست أنا الذي آتي بها وأنزلها بكم ، وليس عليّ إلا تبليغكم ونصحكم وقد فعلت ، وإنّما الذي يأتي بها ، ربّي العالم بأعمالكم وأحوالكم ، الذي يجازيكم ويحاسبكم.
[١٨٩] (فَكَذَّبُوهُ) أي : صار التكذيب لهم ، وصفا والكفر لهم ديدنا ، بحيث لا تفيدهم الآيات ، وليس بهم حيلة إلا نزول العذاب. (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) أظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها مستلذين ، لظلها غير الظليل ، فأحرقهم بالعذاب ، فظلوا تحتها خامدين ، ولديارهم مفارقين ، وبدار الشقاء والعذاب نازلين. (إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) لا كرة لهم إلى الدنيا ، فيستأنفوا العمل ولا يفتّر عنهم العذاب ساعة ، ولا هم ينظرون.
[١٩٠] (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) دالة على صدق شعيب ، وصحة ما دعا إليه ، وبطلان رد قومه عليه. (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) مع رؤيتهم الآيات ، لأنهم لا زكاء فيهم ، ولا خير لديهم (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (١٠٣).
[١٩١] (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي امتنع بقدرته ، عن إدراك أحد ، وقهر كل مخلوق. (الرَّحِيمُ) الذي ، الرحمة وصفه ومن آثارها ، جميع الخيرات في الدنيا والآخرة ، من حين أوجد الله العالم إلى ما لا نهاية له. ومن عزته ، أن أهلك أعداءه حين كذبوا رسله ، ومن رحمته ، أن نجّى أولياءه ومن معهم من المؤمنين.
[١٩٢] لما ذكر قصص الأنبياء مع أممهم ، وكيف دعوهم ، وما ردوا عليهم به ، وكيف أهلك الله أعداءهم ، وصارت لهم العاقبة. ذكر هذا الرسول الكريم ، والنبي المصطفى العظيم وما جاء به من الكتاب ، الذي فيه هداية لأولي الألباب فقال : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٩٢) فالذي أنزله ، فاطر الأرض والسموات ، المربّي جميع العالم ، العلوي والسفلي ، وكما أنه رباهم بهدايتهم لمصالح دنياهم وأبدانهم ، فإنه يربيهم أيضا ، بهدايتهم لمصالح دينهم وأخراهم. ومن أعظم ما رباهم به ، إنزال هذا الكتاب الكريم ، الذي اشتمل على الخير الكثير ، والبر العزير. وفيه من الهداية ، لمصالح الدارين ، والأخلاق الفاضلة ، ما ليس في غيره في قوله : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٩٢) من