حالة الشعراء ، ووصفهم الثابت ، فإنهم (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) عن طريق الهدى ، المقبلون على طريق الغي والردى. فهم في أنفسهم غاوون ، وتجد أتباعهم كل غاو ، ضال فاسد.
[٢٢٥] (أَلَمْ تَرَ) غوايتهم وشدة ضلالهم (أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ) من أودية الشعر ، (يَهِيمُونَ) فتارة في مدح ، وتارة في قدح ، وتارة يتغزلون ، وأخرى يسخرون ، ومرة يمرحون ، وآونة يحزنون ، فلا يستقر لهم قرار ، ولا يثبتون على حال من الأحوال.
[٢٢٦] (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (٢٢٦) أي : هذا وصف الشعراء ، أنهم تخالف أقوالهم أفعالهم. فإذا سمعت الشاعر يتغزل بالغزل الرقيق ، قلت هذا أشد الناس غراما ، وقلبه فارغ من ذاك ، وإذا سمعته يمدح أو يذم ، قلت : هذا صدق ، وهو كذب. وتارة يتمدح بأفعال لم يفعلها ، وتروك لم يتركها ، وكرم لم يحم حول ساحته ، وشجاعة يعلو بها على الفرسان ، وتراه أجبن من كل جبان ، هذا وصفهم. فانظر ، هل يطابق حالة الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ، الراشد البار ، الذي يتبعه كل راشد ومهتد ، الذي قد استقام على الهدى ، وجانب الردى ، ولم تتناقض أفعاله؟ ، فهو لا يأمر إلا بالخير ، ولا ينهى إلا عن الشر ، ولا أخبر بشيء إلا صدق ، ولا أمر بشيء إلا كان أول الفاعلين له ، ولا نهى عن شيء إلا كان أول التاركين له. فهل تناسب حاله ، حالة الشعراء ، ويقاربهم؟ أم هو مخالف لهم من جميع الوجوه؟ فصلوات الله وسلامه ، على هذا الرسول الأكمل ، والهمام الأفضل ، أبد الآبدين ، ودهر الداهرين ، الذي ليس بشاعر ، ولا ساحر ، ولا مجنون ، لا يليق به إلا كل الكمال.
[٢٢٧] ولما وصف الشعراء بما وصفهم به ، استثنى منهم من آمن بالله ورسوله ، وعمل صالحا ، وأكثر من ذكر الله ، وانتصر من أعدائه المشركين ، من بعد ما ظلموهم. فصار شعرهم ، من أعمالهم الصالحة ، وآثار إيمانهم ، لاشتماله على مدح أهل الإيمان ، والانتصار من أهل الشرك والكفر ، والذّبّ عن دين الله ، وتبيين العلوم النافعة ، والحث على الأخلاق الفاضلة فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) إلى موقف وحساب ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، إلا أحصاها ، ولا حقا إلا استوفاه. والحمد لله ربّ العالمين. تم تفسير سورة الشعراء.
تفسير سورة النمل
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] ينبه تعالى عباده على عظمة القرآن ، ويشير إليه إشارة دالة على التعظيم فقال : (تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) أي : هي أعلى الآيات ، وأقوى البينات ، وأوضح الدلالات ، وأبينها على أجل المطالب ، وأفضل المقاصد ،