للمحل ، الذي أمرت بدخوله ، لعلمها أنها لم تستدع إلا للإكرام وأن ملك سليمان وتنظيمه ، قد بناه على الحكمة ، ولم يكن في قلبها أدنى شك ، من حالة السوء بعد ما رأت ، ما رأت. فلما استعدت للخوض قيل لها (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ) أي : مجلس (مِنْ قَوارِيرَ) فلا حاجة منك لكشف الساقين. فحينئذ لما وصلت إلى سليمان ، وشاهدت ما شاهدت ، وعلمت نبوته ورسالته ، تابت ورجعت عن كفرها ، و (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). فهذا ما قصه الله علينا ، من قصة ملكة سبأ ، وما جرى لها مع سليمان ، وما عدا ذلك من الفروع المولدة ، والقصص الإسرائيلية ، فإنه لا يتعلق بالتفسير لكلام الله ، وهو من الأمور ، التي يتوقف الجزم بها ، على الدليل المعلوم عن المعصوم. والمنقولات في هذا الباب كلها ، أو أكثرها ، ليس كذلك. فالحزم كل الحزم ، الإعراض ، عنها ، وعدم إدخالها في التفاسير والله أعلم.
[٤٥] يخبر تعالى أنه أرسل إلى ثمود ، القبيلة المعروفة ، أخاهم في النسب ، صالحا ، وأنه أمرهم ، أن يعبدوا الله وحده ، ويتركوا الأنداد والأوثان. (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) منهم المؤمن ، ومنهم الكافر ، وهم معظمهم.
[٤٦] (قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أي : لم تبادرون فعل السيئات ، وتحرصون عليها ، قبل فعل الحسنات ، التي بها تحسن أحوالكم وتصلح أموركم الدينية والدنيوية؟ والحال أنه لا موجب لكم ، إلى الذهاب لفعل السيئات؟ (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) بأن تتوبوا من شرككم وعصيانكم ، وتدعوا أن يغفر لكم. (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فإن رحمة الله قريب من المحسنين ، والتائب من الذنوب ، هو من المحسنين.
[٤٧] (قالُوا) لنبيهم صالح ، مكذبين ومعارضين : (اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) ، زعموا ـ قبحهم الله ـ أنهم لم يروا على وجه صالح خيرا ، وأنه ، هو ومن معه ، من المؤمنين ، صاروا سببا لمنع مطالبهم الدنيوية. فقال لهم صالح : (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) أي : ما أصابكم الله ، بذنوبكم ، (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) بالسراء والضراء ، والخير والشر ، لينظر هل تقلعون وتتوبون ، أم لا؟ فهذا دأبهم في تكذيب نبيهم ، وما قابلوه به.
[٤٨] (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ) التي فيها صالح ، الجامعة لمعظم قومه (تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) أي : وصفهم الإفساد في الأرض ، ولا لهم قصد ، ولا فعل بالإصلاح ، قد استعدوا لمعاداة صالح ، والطعن في دينه ، ودعوة قومهم إلى ذلك ، كما قال تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) (١٥٢).
[٤٩] فلم يزالوا بهذه الحال الشنيعة ، حتى إنهم من عداوتهم (تَقاسَمُوا) فيما بينهم ، كل واحد ، أقسم للآخر (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) أي : لنأتينهم ليلا ، هو وأهله ، فلنقتلنهم. (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ) إذا قام علينا ، وادّعى علينا ، أنا قتلناهم ، ننكر ذلك ، وننفيه ونحلف. (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فتواطؤوا على ذلك.
[٥٠] (وَمَكَرُوا مَكْراً) دبروا أمرهم ، على قتل صالح وأهله ، على وجه الخفية ، حتى من قومهم ، خوفا من