أوليائه. (وَمَكَرْنا مَكْراً) بنصر نبينا صالح ، عليهالسلام ، وتيسير أمره ، وإهلاك قومه المكذبين (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).
[٥١] (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) هل حصل مقصودهم؟ وأدركوا بذلك المكر مطلوبهم ، أم انتقض عليهم الأمر. ولهذا قال : (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) أهلكناهم ، واستأصلنا شأفتهم. فجاءتهم صيحة عذاب ، فأهلكوا عن آخرهم.
[٥٢] (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) قد تهدمت جدرانها على سقوفها ، وأوحشت من ساكنيها ، وعطلت من نازليها. (بِما ظَلَمُوا) أي : هذا عاقبة ظلمهم وشركهم بالله ، وبغيهم في الأرض. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الحقائق ، ويتدبرون وقائع الله ، في أوليائه وأعدائه فيعتبرون بذلك ، ويعلمون أن عاقبة الظلم ، الدمار والهلاك ، وأن عاقبة الإيمان والعدل ، النجاة والفوز. ولهذا قال :
[٥٣] (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٥٣) أي : أنجينا المؤمنين بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر ، خيره ، وشره ، وكانوا يتقون الشرك بالله ، والمعاصي ، ويعلمون بطاعته ، وطاعة رسله.
[٥٤] أي : واذكر عبدنا ، ورسولنا ، لوطا ، ونبأه الفاضل ، حين قال لقومه ـ داعيا إلى الله ، وناصحا ـ : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أي : الفعلة الشنعاء ، التي تستفحشها العقول والفطر ، وتستقبحها الشرائع (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) ذلك ، وتعلمون قبحه ، فعاندتم ، وارتكبتم ذلك ، ظلما منكم ، وجرأة على الله.
[٥٥] ثم فسر تلك الفاحشة فقال : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) ، أي : كيف توصلتم إلى هذه الحال ، فصارت شهوتكم للرجال ، وأدبارهم ، محل الغائط والنّجو ، والخبث ، وتركتم ما خلق الله لكم ، من النساء ، من المحال الطيبة ، التي جبلت النفوس على الميل إليها. وأنتم انقلب عليكم الأمر ، فاستحسنتم القبيح ، واستقبحتم الحسن ، (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) متجاوزون لحدود الله ، متجرئون على محارمه.
[٥٦] (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) قبول ولا انزجار ، ولا تذكر ، وادكار. إنما كان جوابهم ، المعارضة ، والمناقضة ، والتوعد لنبيهم الناصح ، ورسولهم الأمين ، بالإجلاء عن وطنه ، والتشريد عن بلده. فما كان جواب قومه (إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ). فكأنه قيل : ما نقمتم منهم ، وما ذنبهم الذي أوجب له الإخراج. فقالوا : (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أي : يتنزهون عن اللواط ، وأدبار الذكور. فقبحهم الله ، جعلوا أفضل الحسنات ، بمنزلة أقبح السيئات. ولم يكتفوا بمعصيتهم نبيهم ، وفيما وعظهم به ، حتى وصلوا إلى إخراجه والبلاء موكل بالمنطق ، فهم قالوا : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ). ومفهوم هذا الكلام «وأنتم متلوثون بالخبث والقذارة ، المقتضي لنزول العقوبة بقريتكم ، ونجاة من خرج منها».
[٥٧] ولهذا قال تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (٥٧) ، وذلك لما جاءته الملائكة في صورة أضياف ، وسمع بهم قومه ، فجاؤوا إليه يريدونهم بالشر ، وأغلق الباب دونهم ، واشتد الأمر عليه. ثم أخبرته