الملائكة عن جلية الحال ، وأنهم جاءوا لاستنقاذه ، من بين أظهرهم ، وأنهم يريدون إهلاكهم ، وأن موعدهم الصبح. وأمروه أن يسري بأهله ليلا ، إلا امرأته ، فإنه سيصيبها ما أصابهم فخرج بأهله ليلا ، فنجوا ، وصبّحهم العذاب. فقلب الله عليهم ديارهم ، وجعل أعلاها أسفلها ، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود ، مسومة عند ربك.
[٥٨] ولهذا قال هنا : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) (٥٨) ، أي : بئس المطر مطرهم ، وبئس العذاب عذابهم ، لأنهم أنذروا وخوفوا ، فلم ينزجروا ، ولم يرتدعوا ، فأحل الله بهم ، عقابه الشديد.
[٥٩] أي : قل (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الذي يستحق كمال الحمد ، والمدح والثناء ، لكمال أوصافه ، وجميل معروفه ، وهباته ، وعدله ، وحكمته في عقوبته المكذبين وتعذيب الظالمين. وسلّم أيضا على عباده ، الذين تخيرهم واصطفاهم على العالمين ، من الأنبياء والمرسلين ، وصفوة الله رب العالمين. وذلك لرفع ذكرهم ، وتنويها بقدرهم ، وسلامتهم من الشر والأدناس وسلامة ما قالوه في ربهم ، من النقائص والعيوب. (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) وهذا استفهام قد تقرر وعرف. أي : الله الرب العظيم ، كامل الأوصاف ، عظيم الألطاف ، خير أم الأصنام والأوثان ، التي عبدوها معه ، وهي ناقصة من كل وجه ، لا تنفع ولا تضر ، ولا تملك لأنفسها ، ولا لعابديها ، مثقال ذرة من الخير فالله خير مما يشركون.
[٦٠] ثم ذكر تفاصيل ما به يعرف ، ويتبين أنه الإله المعبود ، أن عبادته هي الحق ، وعبادة ما سواه ، هي الباطل فقال : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) إلى (يَعْدِلُونَ). أي : أمن خلق السموات ، وما فيها ، من الشمس والقمر ، والنجوم ، والملائكة ، والأرض ، وما فيها من جبال ، وبحار ، وأنهار ، وأشجار ، وغير ذلك. (وَأَنْزَلَ لَكُمْ) أي : لأجلكم (مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ) أي : بساتين (ذاتَ بَهْجَةٍ) أي : حسن منظر ، من كثرة أشجارها ، وتنوعها ، وحسن ثمارها. (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) لو لا منّة الله عليكم ، بإنزال المطر. (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) فعل هذه الأفعال ، حتى يعبد معه ويشرك به؟. (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) به غيره ، ويسوون به سواه ، مع علمهم أنه وحده ، خالق العالم العلوي والسفلي ، ومنزل الرزق.
[٦١] أي : هل الأصنام والأوثان ، الناقصة من كل وجه ، التي لا فعل منها ولا رزق ولا نفع ، خير؟ أم الله الذي (جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) يستقر عليها العباد ويتمكنون من السكنى ، والحرث ، والبناء ، والذهاب ، والإياب. (وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) أي : جعل في خلال الأرض ، أنهارا ينتفع بها العباد ، في زروعهم وأشجارهم ، وشربهم ، وشرب مواشيهم. (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) أي : جبالا ترسيها وتثبتها ، لئلا تميد ، وتكون أوتادا لها ، لئلا تضطرب. (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) البحر المالح والبحر العذب (حاجِزاً) يمنع من اختلاطهما ، فتفوت المنفعة المقصودة من كل منهما ، بل جعل بينهما حاجزا من الأرض. جعل مجرى الأنهار في الأرض مبعدة عن البحار ، فتحصل منها مقاصدها ومصالحها. (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) فعل ذلك ، حتى يعدل به الله ويشرك به معه. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فيشركون بالله ، تقليدا لرؤسائهم وإلا فلوا علموا حق العلم ، لم يشركوا به شيئا.
[٦٢] أي : هل يجيب المضطرب ، الذي أقلقته الكروب ، وتعسر عليه المطلوب ، واضطر للخلاص ، مما هو فيه ، إلا الله وحده؟. ومن يكشف السوء ، أي : البلاء ، والشر ، والنقمة ، إلا الله وحده؟ ومن يجعلكم خلفاء الأرض ، يمكنكم منها ، ويمد لكم بالرزق ، ويوصل إليكم نعمه ، وتكونون خلفاء من قبلكم كما أنه سيميتكم ، ويأتي بقوم بعدكم ، أإله مع الله ، يفعل هذه الأفعال؟ لا أحد يفعل مع الله شيئا من ذلك ، حتى بإقراركم أيها المشركون ، ولهذا كانوا إذا مسهم الضر ، دعوا الله مخلصين له الدين لعلمهم أنه وحده ، المقتدر على دفعه وإزالته. (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) أي : قليل تذكركم وتدبركم للأمور ، التي إذا تذكرتموها ، ادكرتم ، ورجعتم إلى الهدى. ولكن الغفلة والإعراض ،