شامل لكم ، فلذلك ما ارعويتم ، ولا اهتديتم.
[٦٣] أي : من هو الذي يهديكم ، حين تكونون في ظلمات البر والبحر ، حيث لا دليل ، ولا معلم يرى ، ولا وسيلة إلى النجاة إلا هدايته لكم ، وتيسيره الطريق ، وجعل ما جعل لكم من الأسباب ، التي تهتدون بها. (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي : بين يدي المطر ، فيرسلها ، فتثير السحاب ، ثم تؤلفه ، ثم تجمعه ، ثم تلقحه ، ثم تدره ، فيستبشر بذلك العباد ، قبل نزول المطر. (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) فعل ذلك؟ أم هو وحده ، الذي انفرد به؟ فلم أشركتم معه غيره ، وعبدتم سواه؟ (تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) تعاظم ، وتنزه وتقدس عن شركهم ، وتسويتهم به غيره.
[٦٤] أي : من هو الذي يبدأ الخلق ، وينشىء المخلوقات ، ويبتدي خلقها ، ثم يعيد الخلق يوم البعث والنشور؟ ومن يرزقكم من السماء والأرض ، بالمطر والنبات؟ (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يفعل ذلك ، ويقدر عليه؟ (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أي : حجتكم ودليلكم على ما قلتم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وإلا ، فبتقدير أنكم تقولون : إن الأصنام لها مشاركة له ، في شيء من ذلك ، فذلك مجرد دعوى ، صدقتموها بلا برهان ، وإلا ، فاعرفوا أنكم مبطلون ، لا حجة لكم. فارجعوا إلى الأدلة اليقينية والبراهين القطعية الدالة على أن الله ، هو المتفرد بجميع التصرفات وأنه المستحق أن يصرف له جميع أنواع العبادات.
[٦٥] يخبر تعالى أنه المنفرد بعلم غيب السموات والأرض ، كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٥٩) وكقوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) إلى آخر السورة. فهذه الغيوب ونحوها ، اختص الله بعلمها ، فلم يعلمها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل. وإذا كان هو المنفرد بعلم ذلك ، المحيط علمه بالسرائر ، والبواطن ، والخفايا ، فهو الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، ثم أخبر تعالى عن ضعف علم المكذبين بالآخرة ، منتقلا من شيء إلى ما هو أبلغ منه فقال : (وَما يَشْعُرُونَ) أي : وما يدرون (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) أي : متى البعث والنشور ، والقيام من القبور ، أي : فلذلك لم يستعدوا.
[٦٦] (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أي : بل ضعف ، ولم يكن يقينا ، ولا علما وأصلا إلى القلب ، وهذا أقل ، وأدنى درجة للعلم ، ضعفه ووهاؤه ، بل ليس عندهم علم قوي ، ولا ضعيف ، وإنما (هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) أي : من الآخرة ، والشك زال به العلم ، لأن العلم بجميع مراتبه ، لا يجامع الشك. (بَلْ هُمْ مِنْها) أي : من الآخرة (عَمُونَ) قد عميت عنها بصائرهم. ولم يكن في قلوبهم علم من وقوعها ، ولا احتمال ، بل أنكروها واستبعدوها.
[٦٧] ولهذا قال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) (٦٧) أي : هذا بعيد ، غير ممكن ، قاسوا قدرة كامل القدرة ، بقدرتهم الضعيفة.
[٦٨] (لَقَدْ وُعِدْنا هذا) أي : البعث (نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) أي : فلم يجئنا ، ولا رأينا فيه شيئا. (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : قصصهم وأخبارهم ، التي تقطع بها الأوقات ، وليس لها أصل ، ولا صدق فيها. فانتقل في