إلا المجازاة على الأعمال من العالم بالغيب والشهادة ، والمحق والمبطل ، ولهذا قال : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وقد علم أن رسوله هو المهتدي الهادي ، وأن أعداءه هم الضالون المضلون.
[٨٦] (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أي : لم تكن متحريا لنزول هذا الكتاب عليك ، ولا مستعدا له ، ولا متصديا. (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) وبالعباد ، فأرسلك بهذا الكتاب ، الذي رحم به العالمين ، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ، وزكاهم ، وعلمهم الكتاب والحكمة ، وإن كانو من قبل لفي ضلال مبين. فإذا علمت أنه أنزل إليك رحمة منه ، علمت ، أن جميع ما أمر به ، ونهى عنه ، رحمة ، وفضل من الله. فلا يكن في صدرك حرج من شيء منه ، وتظن أن مخالفته ، أصلح وأنفع. (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) أي : معينا لهم على ما هو من شعب كفرهم. ومن جملة مظاهرتهم ، أن يقال في شيء منه ، إنه خلاف الحكمة والمصلحة والمنفعة.
[٨٧] (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) بل أبلغها وأنفذها ، ولا تبال بمكرهم ولا يخدعنك عنها ، ولا تتبع أهواءهم. (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي : اجعل الدعوة إلى ربك ، منتهى قصدك وغاية عملك. فكل ما خالف ذلك ، فارفضه ، من رياء ، أو سمعة ، أو موافقة أغراض أهل الباطل ، فإن ذلك داع إلى الكون معهم ، ومساعدتهم على أمرهم ولهذا قال : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) لا في شركهم ، ولا في فروعه وشعبه ، التي هي جميع المعاصي.
[٨٨] (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) بل أخلص لله عبادتك ، فإنه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فلا أحد يستحق أن يؤله ، ويحب ، ويعبد ، إلا الله الكامل الباقي الذي (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) وإذا كان كل شيء سواه هالكا مضمحلا ، فعبادة الهالك الباطل باطلة ، ببطلان غايتها ، وفساد نهايتها. (لَهُ الْحُكْمُ) في الدنيا والآخرة (وَإِلَيْهِ) لا إلى غيره (تُرْجَعُونَ). فإذا كان ما سوى الله باطلا هالكا ، والله هو الباقي ، الذي لا إله إلا هو ، وله الحكم في الدنيا والآخرة ، وإليه مرجع الخلائق كلهم ، ليجازيهم بأعمالهم ، تعيّن على من له عقل ، أن يعبد الله وحده لا شريك له ، ويعمل لما يقربه ويدنيه ، ويحذر من سخطه وعقابه ، وأن يقدم على ربه غير تائب ، ولا مقلع عن خطئه وذنوبه. تم تفسير سورة القصص.
تفسير سورة العنكبوت
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٣] يخبر تعالى ، عن تمام حكمته ، وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال : «إنه مؤمن» وادعى لنفسه