حاصِباً) أي : عذابا يحصبهم ، كقوم عاد ، حين أرسل الله عليهم الريح العقيم ، و (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٧). (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) كقوم صالح ، (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) كقارون. (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) كفرعون وهامان ، وجنودهما. (وَما كانَ اللهُ) أي : ما ينبغي ولا يليق به (لِيَظْلِمَهُمْ) لكمال عدله ، وغناه التام ، عن جميع الخلق. (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) منعوها حقها ، الذي هي بصدده ، فإنها مخلوقة لعبادة الله وحده. فهؤلاء وضعوها في غير موضعها ، وشغلوها بالشهوات والمعاصي ، فضروها غاية الضرر ، من حيث ظنوا أنهم ينفعونها.
[٤١] هذا مثل ضربه الله ، لمن عبد معه غيره ، يقصد به التعزز والتّقوي ، والنفع ، وأن الأمر بخلاف مقصوده ، فإن مثله كمثل العنكبوت ، اتخذت بيتا يقيها من الحر والبرد والآفات. (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ) أي : أضعفها وأوهاها (لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ). فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة ، وبيتها من أضعف البيوت ، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفا. كذلك هؤلاء ، الّذين يتخذون من دونه أولياء ، فقراء ، عاجزون ، من جميع الوجوه ، وحين اتخذوا الأولياء من دونه ، يتعززون بهم ، ويستنصرونهم ، ازدادوا ضعفا إلى ضعفهم ، ووهنا إلى وهنهم فإن اتكلوا عليهم ، في كثير من مصالحهم ، وألقوها عليهم ، تخلوا هم عنها. على أن أولئك سيقومون بها. فخذلوهم ، فلم يحصلوا منهم على طائل ، ولا أنالوهم من معونتهم ، أقل نائل. فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم حالهم ، وحال من اتخذوهم ، لم يتخذوهم ، ولتبرؤوا منهم ، ولتولوا الرب القادر الرحيم ، الذي إذا تولاه عبده ، وتوكل عليه ، كفاه مؤونة دينه ودنياه ، وازداد قوة إلى قوته ، في قلبه وبدنه وحاله وأعماله. ولما بيّن نهاية ضعف آلهة المشركين ارتقى من هذا ، إلى ما هو أبلغ منه ، وأنها ليست بشيء ، بل هي مجرد أسماء سموها ، وظنون اعتقدوها. وعند التحقيق ، يتبين للعاقل بطلانها وعدمها ، ولهذا قال :
[٤٢] (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) أي : إنه تعالى يعلم ـ وهو عالم الغيب والشهادة ـ أنهم ما يدعون من دون الله شيئا موجودا ، ولا إلها له حقيقة ، كقوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ). وقوله : (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ). (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي له القوة جميعا ، الذي قهر بها جميع الخلق. (الْحَكِيمُ) الذي يضع الأشياء مواضعها ، الذي أحسن كل شيء خلقه ، وأتقن ما أمره.
[٤٣] (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) أي : لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم لكونها من الطرق الموضحة للعلوم ، لأنها تقرب الأمور المعقولة ، بالأمور المحسوسة فيتضح المعنى المطلوب بسببها ، فهي مصلحة لعموم الناس. (وَ) لكن (ما يَعْقِلُها) بفهمها وتدبرها ، وتطبيقها على ما ضربت له ، وعقلها في القلب. (إِلَّا الْعالِمُونَ) أي : إلا أهل العلم الحقيقي ، الّذين وصل العلم إلى قلوبهم. وهذا مدح للأمثال ، الّتي يضربها ، وحثّ على تدبرها