أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) تناسبكم وتناسبونهن ، وتشاكلكم وتشاكلونهن.
(لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) بما رتب على الزواج ، من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة.
فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة ، والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم ، والسكون إليها. فلا تجد بين اثنين في الغالب ، مثل ما بين الزوجين ، من المودة والرحمة. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) يعملون أفكارهم ، ويتدبرون آيات الله ، وينتقلون من شيء إلى شيء.
[٢٢] والعالمون ، هم أهل العلم ، الّذين يفهمون العبر ، ويتدبرون الآيات ، وآيات الله في ذلك كثيرة : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما فيهما ، فإن ذلك ، دال على عظمة سلطان الله ، وكمال اقتداره ، الذي أوجد هذه المخلوقات العظيمة وكمال حكمته ، لما فيها من الإتقان ، وسعة علمه ـ لأن الخالق ، لا بد أن يعلم ما خلقه (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) ـ وعموم رحمته وفضله ، لما في ذلك من المنافع الجليلة. وأنه المريد ، الذي يختار ما يشاء ، لما فيها من التخصيصات والمزايا. وأنه وحده ، الذي يستحق أن يعبد ويوحد ؛ لأنه المنفرد بالخلق ، فيجب أن يفرد بالعبادة. فكل هذه ، أدلة عقلية ، نبه الله العقول إليها ، وأمرها بالتفكر ، واستخراج العبرة منها. (وَ) كذلك في (اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) على كثرتكم وتباينكم مع أن الأصل واحد ، ومخارج الحروف واحدة. ومع ذلك لا تجد صوتين متفقين من كلّ وجه ، ولا لونين متشابهين من كلّ وجه ، إلا وتجد من الفرق بين ذلك ما به يحصل التمييز. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) أي : إن هذا دال على كمال قدرته ، ونفوذ مشيئته. ومن عنايته بعباده ، ورحمته بهم أن قدر ذلك الاختلاف لئلا يقع التشابه فيحصل الاضطراب ، ويفوت كثير من المقاصد والمطالب.
[٢٣] أي سماع تدبر ، وتعقل للمعاني والآيات في ذلك. إن ذلك دليل على رحمة الله تعالى ، كما قال : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٧٣). وعلى تمام حكمته ، إذ حكمته ، اقتضت سكون الخلق في وقت ، ليستريحوا ويستجموا. وانتشارهم في وقت ، لمصالحهم الدينية والدنيوية ، ولا يتم ذلك ، إلا بتعاقب الليل والنهار عليهم ، والمنفرد بذلك ، هو المستحق للعبادة.
[٢٤] أي : ومن آياته ، أن ينزل عليكم المطر ، الذي تحيا به البلاد والعباد ، ويريكم قبل نزوله مقدماته ، من الرعد ، والبرق ، الذي يخاف ويطمع فيه. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) دالة على عموم إحسانه ، وسعة علمه ، وكمال إتقانه ، وعظيم حكمته ، وأنه يحيي الموتى ، كما أحيا الأرض بعد موتها. (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي : لهم عقول ، تعقل بها ما تسمعه ، وتراه وتحفظه ، وتستدل به ، على ما جعل دليلا عليه.
[٢٥] أي : ومن آياته العظيمة ، أن قامت السموات والأرض ، واستقرنا ، وثبتتا بأمره ، فلم تتزلزلا ، ولم تسقط السماء على الأرض. فقدرته العظيمة ، الّتي بها أمسك السموات والأرض ، أن تزولا ، يقدر بها ، على أنه إذا دعا الخلق دعوة من الأرض ، إذا هم يخرجون (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ).
[٢٦] (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لكل خلقه ومماليكه ، والمتصرف فيهم من غير منازع ، ولا معاون ، ولا معارض ، وكلهم قانتون لجلاله ، خاضعون لكماله.
[٢٧] (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ) أي : إعادة الخلق بعد موتهم (أَهْوَنُ عَلَيْهِ) من ابتداء خلقهم ، وهذا بالنسبة إلى الأذهان والعقول. فإذا كان قادرا على الابتداء ، الذي تقرون به ، كانت قدرته على الإعادة ، الّتي هي أهون ، أولى وأولى. ولما ذكر من الآيات العظيمة ، ما به يعتبر المعتبرون ، ويتذكر المؤمنون ويستبصر المهتدون ، ذكر الأمر العظيم ، والمطلب الكبير فقال : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهو كلّ صفة كمال. والكمال في تلك الصفة ، والمحبة ، والإنابة التامة الكاملة ، في قلوب عباده المخلصين ، والذكر الجليل ، والعبادة منهم. فالمثل الأعلى ، هو وصفه الأعلى ، وما ترتب عليه. ولهذا كان أهل العلم ، يستعملون في حق الباري ، قياس الأولى ، فيقولون : كل