العقل ، يسهل عليه الصبر. وكلّ ضعيف اليقين ، ضعيف العقل خفيفه. فالأول ، بمنزلة اللب ، والآخر بمنزلة القشور. فالله المستعان. تم تفسير سورة الروم.
تفسير سورة لقمان
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] يشير تعالى إشارة دالة على التعظيم إلى (آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) أي : إن آياته محكمة ، صدرت من حكيم خبير. ومن إحكامها ، أنها جاءت بأجلّ الألفاظ وأفصحها ، وأبينها ، الدالة على أجل المعاني وأحسنها. ومن إحكامها ، أنها محفوظة من التغيير والتبديل ، والزيادة والنقص ، والتحريف. ومن إحكامها : أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة ، والأمور الغيبية كلها ، مطابقة للواقع ، مطابق لها الواقع ، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية ، ولم يخبر بخلافها نبي من الأنبياء ، ولم يأت ، ولن يأتي علم محسوس ولا معقول صحيح ، يناقض ما دلت عليه. ومن إحكامها : أنها ما أمرت بشيء ، إلا هو خالص المصلحة ، أو راجحها. ولا نهت عن شيء ، إلا وهو خالص المفسدة ، أو راجحها. وكثيرا ما يجمع بين الأمر بالشيء ، مع ذكر حكمته وفائدته ، والنهي عن الشيء ، مع ذكر مضرته. ومن إحكامها : أنها جمعت بين الترغيب والترهيب ، والوعظ البليغ : الذي تعتدل به النفوس الخيرة ، وتحتكم ، فتعمل بالحزم. ومن إحكامها : أنك تجد آياتها المتكررة ، كالقصص ، والأحكام ونحوها ، قد اتفقت كلها وتواطأت ، فليس فيها تناقض ، ولا اختلاف. فكلما ازداد بها البصير تدبرا ، وأعمل فيها العقل تفكرا ، انبهر عقله ، وذهل لبه من التوافق والتواطؤ ، وجزم جزما لا يمترى فيه ، أنه تنزيل من حكيم حميد. ولكن ـ مع أنه حكيم ـ يدعو إلى كلّ خلق كريم ، وينهى عن كلّ خلق لئيم. أكثر الناس محرومون من الاهتداء به ، معرضون عن الإيمان والعمل به ، إلا من وفقه الله تعالى وعصمه ، وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون إلى الخلق.
[٣] فإنه (هُدىً) لهم ، يهديهم إلى الصراط المستقيم ، ويحذرهم من طرق الجحيم. (وَرَحْمَةً) لهم ، تحصل لهم به ، السعادة في الدنيا والآخرة ، والخير الكثير ، والثواب الجزيل ، والفرح ، ويندفع عنهم الضلال والشقاء.
[٤] ثمّ وصف المحسنين ، بالعلم التام ، وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من عقاب الله ، فيتركون معاصيه. ووصفهم بالعمل وخص من العمل ، عملين فاضلين. (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) المشتملة على الإخلاص ، ومناجاة الله تعالى ، والتعبد العام للقلب واللسان ، والجوارح المعينة ، على سائر الأعمال. (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) الّتي تزكي صاحبها : من الصفات الرذيلة ، وتنفع أخاه المسلم ، وتسد حاجته ، ويبين بها أن العبد يؤثر محبة الله على محبته للمال ، فيخرج محبوبه من المال ، لما هو أحب إليه ، وهو طلب مرضاة الله.
[٥] (أُولئِكَ) المحسنون ، الجامعون بين العلم التام والعمل (عَلى هُدىً) أي : عظيم ، كما يفيده التنكير. وذلك الهدى حاصل لهم ، وواصل إليهم (مِنْ رَبِّهِمْ) الذي لم يزل يربيهم بالنعم ، ويدفع عنهم النقم. وهذا الهدى الذي أوصله إليهم ، من تربيته الخاصة بأوليائه ، وهو أفضل أنواع التربية. (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الّذين أدركوا رضا ربهم ، وثوابه الدنيوي والأخروي ، وسلموا من سخطه وعقابه. وذلك لسلوكهم طريق الفلاح ، الذي لا طريق له غيرها.
[٦ ـ ٧] ولما ذكر تعالى المهتدين بالقرآن ، المقبلين عليه ، ذكر من أعرض عنه ، ولم يرفع به رأسا ، وأنه عوقب على