تفسیرسورة الأحزاب
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] أي : يا أيها الذي منّ الله عليه بالنبوة ، واختصه بوحيه ، وفضله على سائر الخلق. اشكر نعمة ربك عليك ، باستعمال تقواه ، التي أنت أولى بها من غيرك ، والتي يجب عليك منها ، أعظم من سواك ، فامتثل أوامره ونواهيه ، وبلّغ رسالاته ، وأدّ إلى عباده وحيه ، وابذل النصيحة للخلق. ولا يصدنك عن هذا المقصود صاد ، ولا يردك عنه راد. فلا تطع كل كافر ، قد أظهر العداوة لله ولرسوله ، ولا منافق ، قد أبطن التكذيب والكفر ، وأظهر ضده. فهؤلاء هم الأعداء على الحقيقة ، فلا تطعهم في بعض الأمور ، التي تنقض التقوى ، وتناقضها ، ولا تتبع أهواءهم ، فيضلوك عن الصواب.
[٢] (وَ) لكن (اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) فإنه هو الهدى والرحمة. وارج بذلك ثواب ربك (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم ، من الخير والشر. فإن وقع في قلبك ، أنك إن لم تطعهم في أهوائهم المضلة ، حصل عليك منهم ضرر ، أو حصل نقص في هداية الخلق ، فادفع ذلك عن نفسك ، واستعمل ما يقاومه ويقاوم غيره ، وهو التوكل على الله ، بأن تعتمد على ربك ، اعتماد من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، ولا موتا ولا حياة ، ولا نشورا ، في سلامتك من شرهم ، وفي إقامة الدين ، الذي أمرت به ، وثق بالله في حصول ذلك الأمر على أي حال كان.
[٣] (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) توكل إليه الأمور ، فيقوم بها ، وبما هو أصلح للعبد. وذلك لعلمه بمصالح عبده ، من حيث لا يعلم العبد ، وقدرته على إيصالها إليه ، من حيث لا يقدر عليها العبد ، وأنه أرحم بعبده من نفسه ، ومن والديه ، وأرأف به من كل أحد ، خصوصا خواص عبيده ، الذين لم يزل يربيهم ببره ، ويدرّ عليهم بركاته الظاهرة والباطنة. خصوصا وقد أمره بإلقاء أموره إليه ، ووعده أن يقوم بها. فهناك لا تسأل عن كل أمر يتيسر ، وصعب يتسهل ، وخطوب تهون وكروب تزول ، وأحوال وحوائج تقضى ، وبركات تنزل ، ونقم تدفع وشرور ترفع. وهناك ترى العبد الضعيف ، الذي يفوض أمره لسيده ، قد قام بأمور ، لا تقوم بها أمة من الناس ، وقد سهل الله عليه ، ما كان يصعب على فحول الرجال وبالله المستعان.
[٤] يعاتب تعالى عباده ، عن التكلم بما لا حقيقة له من الأقوال ، ولم يجعله الله تعالى كما قالوا ، فإن ذلك القول منهم كذب وزور ، يترتب عليه منكرات من الشرع. وهذه قاعدة عامة في التكلم في كل شيء ، والإخبار بوقوع ووجود ما لم يجعله الله تعالى. ولكن خص هذه الأشياء المذكورة ، لوقوعها ، وشدة الحاجة إلى بيانها فقال : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) هذا لا يوجد. فإياكم أن تقولوا عن أحد : إن له قلبين في جوفه ، فتكونوا كاذبين على الخلقة الإلهية. (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَ) بأن يقول أحدكم لزوجته : «أنت عليّ كظهر أمي أو كأمي»