على يديه وبسببه. فلذلك وجب عليهم إذا تعارض مراد النفس ، أو مراد أحد من الناس ، مع مراد الرسول ، أن يقدم مراد الرسول ، وأن لا يعارض قول الرسول ، بقول أحد ، كائنا من كان ، وأن يفدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم ، ويقدموا محبته على الخلق كلهم ، وألا يقولوا حتى يقول ، ولا يتقدموا بين يديه. وهو صلىاللهعليهوسلم ، أب للمؤمنين ، كما في قراءة بعض الصحابة ، يربيهم كما يربي الوالد أولاده. فترتب على هذه الأبوة ، أن كان نساؤه أمهاتهم ، أي : في الحرمة والاحترام ، والإكرام ، لا في الخلوة والمحرمية ، وكأن هذا مقدمة ، لما سيأتي في قصة زيد بن حارثة ، الذي كان يدعى قبل «زيد بن محمد» حتى أنزل الله (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) فقطع نسبه وانتسابه منه. فأخبر في هذه الآية ، أن المؤمنين كلهم ، أولاد للرسول ، فلا مزيد لأحد عن أحد. وإن انقطع عن أحدهم انتساب الدعوة ، فإن النسب الإيماني لم ينقطع عنه ، فلا يحزن ولا يأسف. وترتب على أن زوجات الرسول أمهات المؤمنين ، أنهن لا يحللن لأحد من بعده ، كما صرّح بذلك في قوله : (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً). (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) أي : الأقارب ، قربوا أو بعدوا (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) أي : في حكمه ، فيرث بعضهم بعضا ، ويبر بعضهم بعضا ، فهم أولى من الحلف والنصرة. والأدعياء الّذين كانوا من قبل ، يرثون بهذه الأسباب ، دون ذوي الأرحام. فقطع تعالى ، التوارث بذلك ، وجعله للأقارب ، لطفا منه وحكمة ، فإن الأمر لو استمر على العادة السابقة ، لحصل من الفساد والشر ، والتحيل لحرمان الأقارب من الميراث ، شيء كثير. (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) أي : سواء كان الأقارب مؤمنين مهاجرين ، أو غير مهاجرين ، فإن ذوي الأرحام مقدمون في ذلك. وهذه الآية حجة على ولاية ذوي الأرحام ، في جميع الولايات ، كولاية النكاح والمال وغير ذلك. (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) أي ليس لهم حق مفروض ، وإنّما هو بإرادتكم. إن شئتم أن تتبرعوا لهم تبرعا ، وتعطوهم معروفا منكم ، (كانَ) ذلك الحكم المذكور (فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) أي : قد سطر ، وكتب ، وقدره الله ، فلا بد من نفوذه.
[٧ ـ ٨] يخبر تعالى أنه أخذ من النبيين عموما ، ومن أولي العزم ـ وهم هؤلاء الخمسة المذكورون ـ خصوصا ، ميثاقهم الغليظ وعهدهم الثقيل المؤكد ، على القيام بدين الله والجهاد في سبيله ، وأن هذا سبيل قد مشى عليه الأنبياء المتقدمون ، حتى ختموا بسيدهم وأفضلهم ، محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأمر الناس بالاقتداء بهم. وسيسأل الله الأنبياء وأتباعهم ، عن هذا العهد الغليظ هل وفوا فيه ، وصدقوا؟ فيثيبهم جنات النعيم؟ أم كفروا ، فيعذبهم العذاب الأليم؟ قال تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ).
[٩ ـ ١٠] يذكر تعالى عباده المؤمنين ، نعمته عليهم ، ويحثهم على شكرها ، حين جاءتهم جنود أهل مكة والحجاز ، من فوقهم ، وأهل نجد ، من أسفل منهم ، وتعاقدوا ، وتعاهدوا على استئصال الرسول والصحابة ، وذلك في وقعة الخندق. ومالأتهم طوائف اليهود ، الّذين حوالي المدينة ، فجاءوا بجنود عظيمة وأمم كثيرة. وخندق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، على المدينة ، فحصروا المدينة ، واشتد الأمر ، وبلغت القلوب الحناجر ، حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ ، لما رأوا من الأسباب المستحكمة ، والشدائد الشديدة ، فلم يزل الحصار على المدينة ، مدة طويلة ، والأمر كما وصف الله في قوله : (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) أي : الظنون السيئة ، أن الله لا ينصر دينه ، ولا يتم كلمته.
[١١] (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) بهذه الفتنة العظيمة (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) بالخوف والقلق ، والجوع ، ليتبين إيمانهم ، ويزيد إيقانهم. فظهر ـ ولله الحمد ـ من إيمانهم ، وشدة يقينهم ، ما فاقوا فيه الأولين والآخرين. وعند ما اشتد الكرب ، وتفاقمت الشدائد ، صار إيمانهم عين اليقين. (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٢٢).