يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) الآية.
[٦٨] ولما علموا أنهم ، وكبراءهم ، مستحقون للعقاب ، أرادوا أن يشتفوا ممن أضلوهم ، فقالوا : (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) (٦٨) فيقول الله لكل ضعف ، فكلكم اشتركتم في الكفر والمعاصي ، فتشتركون في العقاب ، وإن تفاوت عذاب بعضكم على بعض بحسب تفاوت الجرم.
[٦٩] يحذر تعالى عباده المؤمنين عن أذية رسولهم ، محمد صلىاللهعليهوسلم ، النبي الكريم ، الرؤوف الرحيم ، لئلا يقابلوه بضد ما يجب له من الإكرام والاحترام ، وأن لا يتشبهوا بحال الّذين آذوا موسى بن عمران ، كليم الرحمن ، فبرأه الله مما قالوا من الأذية ، أي أظهر الله لهم براءته. والحال أنه عليه الصلاة والسّلام ، ليس محل التهمة والأذية ، فإنه كان وجيها عند الله ، مقربا لديه ، من خواص المرسلين ، ومن عباد الله المخلصين ؛ فلم يزجرهم ما له من الفضائل ، عن أذيته ، والتعرض له بما يكره ، فاحذروا أيها المؤمنون ، أن تتشبهوا بهم في ذلك. والأذية المشار إليها هي قول بني إسرائيل عن موسى ، لما رأوا شدة حيائه وتستره عنهم : «إنه ما يمنعه من ذلك إلا أنه آدر» أي : كبير الخصيتين ، واشتهر ذلك عندهم. فأراد أن يبرئه منهم ، فاغتسل يوما ، ووضع ثوبه على حجر ، ففر الحجر بثوبه ، فأهوى موسى عليهالسلام في طلبه ، فمرّ به على مجالس بني إسرائيل ، فرأوه أحسن خلق الله ، فزال عنه ما رموه به.
[٧٠] يأمر تعالى المؤمنين بتقواه ، في جميع أحوالهم ، في السر والعلانية ، ويخص منها ، ويندب للقول السديد ، وهو القول الموافق للصواب ، أو المقارب له ، عند تعذر اليقين ، من قراءة ، وذكر ، وأمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، وتعلم علم وتعليمه ، والحرص على إصابة الصواب ، في المسائل العلمية ، وسلوك كلّ طريق يوصل لذلك ، وكل وسيلة تعين عليه. ومن القول السديد ، لين الكلام ولطفه ، في مخاطبة الأنام ، والقول المتضمن للنصح ، والإشارة بما هو الأصلح.
[٧١] ثمّ ذكر ما يترتب على تقواه ، وقول القول السديد فقال : (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي : يكون ذلك سببا لصلاحها ، وطريقا لقبولها ؛ لأن استعمال التقوى ، تتقبل به الأعمال كما قال تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ). ويوفق فيه الإنسان للعمل الصالح ، ويصلح الله الأعمال أيضا ، بحفظها عمّا يفسدها ، وحفظ ثوابها ومضاعفته. كما أن الإخلال بالتقوى ، والقول السديد سبب لفساد الأعمال ، وعدم قبولها ، وعدم ترتّب آثارها عليها. (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) أيضا (ذُنُوبَكُمْ) الّتي هي السبب في هلاككم. فبالتقوى تستقيم الأمور ، ويندفع بها كلّ محذور ولهذا قال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً).
[٧٢] يعظم تعالى شأن الأمانة ، الّتي ائتمن الله عليها المكلفين ، الّتي هي امتثال الأوامر ، واجتناب المحارم ، في حال السر والخفية ، كحال العلانية. وأنه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة ، والسموات والأرض والجبال ، عرض تخيير لا تحتيم ، وأنك إن قمت بها وأدّيتها على وجهها ، فلك الثواب ، وإن لم تقم بها ، ولم تؤدها ، فعليك العقاب ، (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) أي خوفا أن لا يقمن بما حملن ، لا عصيانا لربهن ، ولا زهدا في ثوابه. وعرضها الله على الإنسان ، على ذلك الشرط المذكور ، فقبلها ، وحملها مع ظلمه وجهله ، وحمل هذا الحمل الثقيل. فانقسم الناس ـ بحسب قيامهم بها وعدمه ـ إلى ثلاثة أقسام : منافقون : قاموا بها ظاهرا لا باطنا ، ومشركون : تركوها ظاهرا وباطنا ، ومؤمنون : قائمون بها ظاهرا وباطنا. فذكر الله تعالى أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة ، وما لهم من الثواب والعقاب فقال :
[٧٣] (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٧٣). فله تعالى الحمد ، حيث ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين ، الدالين على تمام مغفرة الله ،