وسعة رحمته ، وعموم جوده ، مع أن المحكوم عليهم ، كثير منهم ، لم يستحق المغفرة والرحمة ، لنفاقه وشركه. تم تفسير سورة الأحزاب.
سورة سبأ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] الحمد : الثناء بالصفات الحميدة ، والأفعال الحسنة ، فلله تعالى الحمد ، لأن جميع صفاته ، يحمد عليها ، لكونها صفات كمال ، وأفعاله ، يحمد عليها ، لأنها دائرة بين الفضل الذي يحمد عليه ويشكر ، والحمد الذي يحمد عليه ويعترف بحكمته فيه. وحمد نفسه هنا ، على أن (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وعبيدا ، يتصرف فيهم بحمده. (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) لأن في الآخرة ، يظهر من حمده ، والثناء عليه ، ما لا يكون في الدنيا. فإذا قضى الله تعالى بين الخلائق كلهم ، ورأى الناس والخلق كلهم ، ما حكم به ، وكمال عدله وقسطه ، وحكمته فيه ، حمدوه كلهم على ذلك. حتى أهل العقاب ما دخلوا النار ، إلا وقلوبهم ممتلئة من حمده ، وأن عذابهم من جراء أعمالهم ، وأنه عادل في حكمه بعقابهم. وأما ظهور حمده في دار النعيم والثواب ، فذلك شيء ، قد تواردت وتواترت به الأخبار ، وتوافق عليه الدليل السمعي والعقلي. فإنهم في الجنة ، يرون من توالي نعم الله ، وإدرار خيره ، وكثرة بركاته ، وسعة عطاياه ، الّتي لا يبقى في قلوب أهل الجنة أمنية ، ولا إرادة ، إلا وقد أعطى منها كلّ واحد منهم ، فوق ما تمنى وأراد. بل يعطون من الخير ما لم تتعلق به أمانيهم ، ولا يخطر بقلوبهم. فما ظنك بحمدهم لربهم في هذه الحال ، مع أن في الجنة ، تضمحل العوارض والقواطع ، الّتي تقطع عن معرفة الله ، ومحبته ، والثناء عليه ، ويكون ذلك أحب إلى أهلها من كلّ نعيم ، وألذ عليهم من كلّ لذة. ولهذا إذا رأوا الله تعالى ، وسمعوا كلامه عند خطابه لهم ، أذهلهم ذلك عن كلّ نعيم ، ويكون الذكر لهم في الجنة كالنّفس ، متواصلا في جميع الأوقات. هذا إذا أضفت ذلك إلى أنه يظهر لأهل الجنة ، في الجنة ، كل وقت ، من عظمة ربهم ، وجلاله ، وجماله ، وسعة كماله ، ما يوجب لهم كمال الحمد ، والثناء عليه. (وَهُوَ الْحَكِيمُ) في ملكه وتدبيره ، الحكيم في أمره ونهيه. (الْخَبِيرُ) المطلع على سرائر الأمور وخفاياها. ولهذا فصل علمه بقوله :
[٢] (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) أي : من مطر ، وبذر ، وحيوان (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من أنواع النباتات ، وأصناف الحيوانات (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من الأملاك والأرزاق ، والأقدار (وَما يَعْرُجُ فِيها) من الملائكة والأرواح وغير ذلك. ولما ذكر مخلوقاته وحكمته فيها ، وعلمه بأحوالها ، ذكر مغفرته ورحمته لها ، فقال : (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) أي : الذي ، الرحمة والمغفرة وصفه ، ولم تزل آثارهما تنزل على العباد كلّ وقت بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما.
[٣] لما بيّن تعالى ، عظمته ، بما وصف به نفسه ، وكان هذا موجبا لتعظيمه وتقديسه ، والإيمان به ، ذكر أن من أصناف الناس ، طائفة لم تقدر ربها حق قدره ، ولم تعظمه حق عظمته ، بل كفروا به ، وأنكروا قدرته على إعادة