(سَمِيعٌ) للأقوال والأصوات كلها (قَرِيبٌ) ممن دعاه وسأله ، وعبده.
[٥١] يقول تعالى : (وَلَوْ تَرى) أيها لرسول ، ومن قام مقامك ، حال هؤلاء المكذبين. (إِذْ فَزِعُوا) حين رأوا العذاب ، وما أخبرتهم به الرسل ، وما كذبوا به ، لرأيت أمرا هائلا ، ومنظرا مفظعا ، وحالة منكرة ، وشدة شديدة ، وذلك حين يحق عليهم العذاب. (فَلا فَوْتَ) لهم وليس لهم عنه مهرب. (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي : ليس بعيدا عن محل العذاب ، بل يؤخذون ، ثمّ يقذفون في النار.
[٥٢] (وَقالُوا) في تلك الحال : (آمَنَّا بِهِ) وصدقنا ما به كذبنا (وَ) لكن (أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ) أي : تناول الإيمان (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) قد حيل بينهم وبينه ، وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة. فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان ، لكان إيمانهم مقبولا.
[٥٣] ولكنهم (كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ) أي : يرمون (بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) بقذفهم الباطل ، ليدحضوا به الحقّ. ولكن لا سبيل إلى ذلك ، كما لا سبيل للرامي ، من مكان بعيد إلى إصابة الغرض. فكذلك الباطل ، من المحال أن يغلب الحقّ أو يدفعه ، وإنّما يكون له صولة ، وقت غفلة الحقّ عنه ، فإذا برز الحقّ وقاوم الباطل قمعه.
[٥٤] (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) من الشهوات واللذات ، والأولاد ، والأموال ، والخدم والجنود. وقد انفردوا بأعمالهم ، وجاءوا فرادى ، كما خلقوا ، وتركوا ما خولوا ، وراء ظهورهم. (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) أي : من الأمم السابقين ، حين جاءهم الهلاك ، حيل بينهم وبين ما يشتهون. (إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) أي : يحدث الريبة وقلق القلب ، فلذلك لم يؤمنوا ، ولم يعتبوا حين استعتبوا. تم تفسير سورة سبأ ـ ولله الحمد والمنّة ، والفضل ، ومنه العون ، وعليه التوكل ، وبه الثقة.
تفسير سورة فاطر
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] يمدح تعالى نفسه الكريمة المقدسة ، على خلقه السموات والأرض ، وما اشتملتا عليه من المخلوقات ، لأن ذلك ، دليل على كمال قدرته ، وسعة ملكه ، وعموم رحمته ، وبديع حكمته ، وإحاطة علمه. ولما ذكر الخلق ، ذكر بعده ، ما يتضمن الأمر ، وهو : أنه (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) في تدبير أوامره القدرية ، ووسائط بينه وبين خلقه ، في تبليغ أوامره الدينية. وفي ذكره أنه جعل الملائكة رسلا ، ولم يستثن منهم أحدا ، دليل على كمال طاعتهم لربهم ، وانقيادهم لأمره ، كما قال تعالى : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ). ولما كانت الملائكة مدبرات ، بإذن