ذلك الإيمان ، بجوارحهم ، الأعمال (الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم ، ويزول بها عنهم الشر والمكروه (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) يحصل به المطلوب.
[٨] يقول تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) القبيح ، زينه له الشيطان ، وحسنه في عينه ، (فَرَآهُ حَسَناً) أي : كمن هداه الله إلى الصراط المستقيم ، والدين القويم ، فهل يستوي هذا وهذا؟ فالأول : عمل السيّء ، ورأى الحقّ باطلا ، والباطل حقا. والثاني : عمل الحسن ، ورأى الحقّ حقا ، والباطل باطلا. ولكن الهداية والإضلال بيد الله تعالى. (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ) أي : على الضالين الّذين زيّن لهم سوء أعمالهم ، وصدّهم الشيطان عن الحقّ (حَسَراتٍ) أي : فلا تهلك نفسك حزنا على الضالين وحسرة عليهم. فليس عليك إلا البلاغ ، وليس عليك من هداهم من شيء ، والله هو الذي يجازيهم بأعمالهم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) فيجازيهم عليها.
[٩] يخبر تعالى عن كمال اقتداره ، وسعة جوده ، وأنه الذي (أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) فأنزله الله عليها (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها). فحييت البلاد والعباد ، وارتزقت الحيوانات ، ورتعت في تلك الخيرات. (كَذلِكَ) الذي أحيا الأرض بعد موتها ، ينشر الأموات من قبورهم ، بعد ما مزقهم البلاء ، فيسوق إليهم مطرا ، كما ساقه إلى الأرض الميتة ، فينزله عليهم فتحيا الأجساد والأرواح من القبور ، ويكون (النُّشُورُ) فيأتون للقيام بين يدي الله ليحكم بينهم ، ويفصل بحكمه العدل.
[١٠] أي : يا من يريد العزة ، اطلبها ممن هي بيده ، فإن العزة بيد الله ، ولا تنال إلا بطاعته. وقد ذكرها بقوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) من قراءة ، وتسبيح ، وتحميد ، وتهليل ، وكلّ كلام حسن طيب ، فيرفع إلى الله ، ويعرض عليه ، ويثني الله على صاحبه ، بين الملأ الأعلى ، (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ) من أعمال القلوب وأعمال الجوارح (يَرْفَعُهُ) الله تعالى إليه أيضا ، كالكلم الطيب. وقيل : العمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة ، فهي الّتي ترفع كلمه الطيب. فإذا لم يكن له عمل صالح ، لم يرفع له قول إلى الله تعالى. فهذه الأعمال الّتي ترفع إلى الله تعالى ، ويرفع الله صاحبها ويعزه. وأما السيّئات ، فإنها بالعكس ، يريد صاحبها الرفعة بها ، ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه ، ولا يزداد إلا هوانا ، ونزولا ، ولهذا قال : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) يهانون فيه غاية الإهانة. (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) أي : يهلك ويضمحل ، ولا يفيدهم شيئا ، لأنه مكر بالباطل ، لأجل الباطل.
[١١] يذكر تعالى خلقه الآدمي ، وتنقله في هذه الأطوار ، من تراب إلى نطفة وما بعدها. (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أي : لم يزل ينقلكم ، طورا بعد طور ، حتى أوصلكم إلى أن كنتم أزواجا ، ذكر يتزوج أنثى ، ويراد بالزواج ، الذرية والأولاد. فهو وإن كان النكاح من الأسباب فيه ، فإنه مقترن بقضاء الله وقدره وعلمه. (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) وكذلك أطوار الآدمي ، كلها ، بعلمه وقضائه. (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) أي : عمر الذي كان معمرا عمرا طويلا (إِلَّا) بعلمه تعالى. أو ما ينقص من عمر الإنسان الذي هو بصدد أن يصل إليه ، لو لا ما