[٢٥] أي وإن يكذبك أيها الرسول ، هؤلاء المشركون ، فلست أوّل رسول كذّب. (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) على الحقّ ، وعلى صدقهم ، فيما أخبروهم به (وَبِالزُّبُرِ) أي : الكتب المكتوبة ، المجموع فيها كثير من الأحكام. (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) أي : المضيء في أخباره الصادقة ، وأحكامه العادلة. فلم يكن تكذيبهم إياهم ناشئا عن اشتباه ، أو قصور بما جاءتهم به الرسل ، بل بسبب ظلمهم وعنادهم.
[٢٦] (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بأنواع العقوبات (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) عليهم؟ كان أشد النكير وأعظم التنكيل. فإياكم وتكذيب هذا الرسول الكريم ، فيصيبكم كما أصاب أولئك ، من العذاب الأليم ، والخزي الوخيم.
[٢٧ ـ ٢٨] يذكر تعالى خلقه للأشياء والمتضادات ، الّتي أصلها واحد ، ومادتها واحدة ، وفيها من التفاوت والفرق ، ما هو مشاهد معروف ، ليدل العباد ، على كمال قدرته ، وبديع حكمته. فمن ذلك : أن الله تعالى أنزل من السماء ماء ، فأخرج به من الثمرات المختلفات ، والنباتات المتنوعات ، ما هو مشاهد للناظرين ، والماء واحد ، والأرض واحدة. ومن ذلك : الجبال الّتي جعلها الله أوتادا للأرض ، تجدها جبالا مشتبكة ، بل جبلا واحدا. وفيها ألوان متعددة ، فيها جدد بيض أي : طرائق بيض ، وفيها طرائق صفر وحمر ، وفيها غرابيب سود أي : شديدة السواد جدا. ومن ذلك : الناس والدواب ، والأنعام ، فيها من اختلاف الألوان والأوصاف ، والأصوات ، والهيئات ، ما هو مرئي بالأبصار ، مشهود للنظار ، والكل من أصل واحد ومادة واحدة. فتفاوتها دليل عقلي على مشيئة الله تعالى ، الّتي خصصت ما خصصت منها ، بلونه ، ووصفه ، وقدرة الله تعالى حيث أوجدها كذلك ، وحكمته ورحمته ، حيث كان ذلك الاختلاف ، وذلك التفاوت ، فيه من المصالح والمنافع ، ومعرفة الطرق ، ومعرفة الناس بعضهم بعضا ، ما هو معلوم. وذلك أيضا ، دليل على سعة علم الله تعالى ، وأنه يبعث من في القبور. ولكن الغافل ، ينظر في هذه الأشياء وغيرها ، نظر غفلة ، لا تحدث له تذكرا. وإنّما ينتفع بها من يخشى الله تعالى ، ويعلم بفكره الصائب ، وجه الحكمة فيها. ولهذا قال : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فكل من كان بالله أعلم ، كان أكثر له خشية. وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي ، والاستعداد للقاء من يخشاء. وهذا دليل على فضيلة العلم ، فإنه داع إلى خشية الله. وأهل خشيته ، هم أهل كرامته كما قال تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ). (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) كامل العزة ، ومن عزته خلق هذه المخلوقات المتضادات. (غَفُورٌ) لذنوب التائبين.
[٢٩] (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) أي : يتبعونه في أوامره ، فيمتثلونها ، وفي نواهيه ، فيتركونها ، وفي أخباره ، فيصدقونها ويعتقدونها ، ولا يقدمون عليه ما خالفه من الأقوال. ويتلون أيضا ألفاظه ، بدراسته ، ومعانيه ، بتتبعها واستخراجها. ثمّ خص من التلاوة بعد ما عمّم ، الصلاة الّتي هي عماد الدين ، ونور المسلمين ، وميزان الإيمان ، وعلامة صدق الإسلام ، والنفقة على الأقارب والمساكين ، واليتامى ، وغيرهم ، من الزكاة والكفارات ، والنذور ، والصدقات (سِرًّا وَعَلانِيَةً) في جميع الأوقات. (يَرْجُونَ) بذلك (تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) أي : لن تكسد وتفسد. بل تجارة ، هي أجل التجارات ، وأعلاها ، وأفضلها ، ألا وهي رضا ربهم ، والفوز بجزيل ثوابه ، والنجاة من سخطه وعقابه. وهذا فيه الإخلاص بأعمالهم ، وأنهم لا يرجون بها ، من المقاصد السيئة ، والنيات الفاسدة شيئا.
[٣٠] وذكر أنهم حصل لهم ما رجوه فقال : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) أي : أجور أعمالهم ، وعلى حسب قلتها ، وكثرتها ، وحسنها ، وعدمه (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) زيادة عن أجورهم. (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) غفر لهم السيئات ، وقبل منهم القليل من الحسنات.
[٣١] يذكر تعالى أن الكتاب الذي أوحاه إلى رسوله (هُوَ الْحَقُ) من كثرة ما اشتمل عليه ، من الحقّ ، وإحاطته بأصوله ، كأن الحقّ منحصر فيه ، فلا يكن في قلوبكم حرج منه ، ولا تتبرموا منه ، ولا تستهينوا به. فإذا كان هو