والعهود. (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) لم يهتدوا ، ولم يصيروا أهدى من إحدى الأمم ، بل لم يدوموا على ضلالهم الذي كان. بل (ما زادَهُمْ) ذلك (إِلَّا نُفُوراً) وزيادة ضلال ، وبغي ، وعناد. وليس إقسامهم المذكور ، لقصد حسن ، وطلب للحق ، وإلا لوفقوا له. ولكنه صادر عن استكبار في الأرض على الخلق ، وعلى الحقّ ، وبهرجة في كلامهم هذا ، يريدون به المكر والخداع ، وأنهم أهل الحقّ ، الحريصون على طلبه ، فيغتر بهم المغترون ، ويمشي خلفهم المقتدون. (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ) الذي مقصوده ، مقصود سيّىء ، ومآله وما يرمي إليه ، سيّىء باطل (إِلَّا بِأَهْلِهِ) ، فمكرهم إنّما يعود عليهم. وقد أبان الله لعباده في هذه المقالات ، وتلك الأقسام ، أنهم كذبة في ذلك ومزورون. فاستبان خزيهم ، وظهرت فضيحتهم ، وتبين قصدهم السيّء. فعاد مكرهم في نحورهم ، ورد الله كيدهم في صدورهم. فلم يبق لهم ، إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب ، الذي هو سنّة الله في الأولين ، الّتي لا تبدل ولا تغير ، أن كلّ من سار في الظلم ، والعناد ، والاستكبار على العباد ، أن تحل به نقمته ، وتسلب عنه نعمته ، فليترقّب هؤلاء ، ما فعل بأولئك.
[٤٤] يحض تعالى الناس ، على السير في الأرض ، بالقلوب والأبدان ، للاعتبار لا لمجرد النظر والغفلة ، وأن ينظروا إلى عاقبة الّذين من قبلهم ، ممن كذبوا الرسل ، وكانوا أكثر منهم أموالا وأولادا ، وأشد قوة ، وعمروا الأرض أكثر مما عمرها هؤلاء. فلما جاءهم العذاب ، لم تنفعهم قوتهم ، ولم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ، ونفذت فيهم قدرة الله ومشيئته. (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) لكمال علمه وقدرته (إِنَّهُ كانَ عَلِيماً) بالأشياء كلها (قَدِيراً) عليها.
[٤٥] ثمّ ذكر تعالى ، كمال حلمه ، وشدة إمهاله وإنظاره ، أرباب الجرائم والذنوب فقال : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) من الذنوب (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) أي : لاستوعبت العقوبة ، حتى الحيوانات غير المكلفة. (وَلكِنْ) يمهلهم تعالى ولا يهملهم (يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) فيجازيهم بحسب ما علمه منهم ، من خير وشر. تم تفسير سورة فاطر.
تفسير سورة يس
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] هذا قسم من الله تعالى بالقرآن الحكيم ، الذي وصفه الحكمة ، وهي وضع كلّ شيء موضعه : وضع الأمر والنهي ، في المحل اللائق بهما. فأحكامه الشرعية والجزائية كلها مشتملة على غاية الحكمة. ومن حكمة هذا