[٥٣] (إِنْ كانَتْ) أي : ما كانت البعثة من القبور (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) ينفخ إسرافيل في الصور ، فتحيا الأجساد. (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) الأولون والآخرون ، والإنس والجن ليحاسبوا على أعمالهم.
[٥٤] (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) لا ينقص من حسناتها ، ولا يزاد في سيئاتها. (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خير أو شر. فمن وجد خيرا ، فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومنّ إلا نفسه.
[٥٥] لما ذكر تعالى أن كلّ أحد لا يجزى إلا ما عمله ، ذكر جزاء الفريقين. فبدأ بجزاء أهل الجنة ، وأخبر أنهم في ذلك اليوم (فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) أي : في شغل مفكه للنفس ، ملذّ لها ، من كلّ ما تهواه النفوس ، وتلذه العيون ، ويتمناه المتمنون.
[٥٦] ومن ذلك لقاء العذارى الجميلات ، كما قال : (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ) من الحور العين ، اللاتي قد جمعن حسن الوجوه والأبدان ، وحسن الأخلاق. (فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ) أي : السرر المزينة ، باللباس المزخرف الحسن. (مُتَّكِؤُنَ) عليه ، اتكاء دالا على كمال الراحة ، والطمأنينة ، واللذة.
[٥٧] (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ) كثيرة ، من جميع أنواع الثمار اللذيذة ، من عنب وتين ، ورمان ، وغيرها. (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) أي : يطلبون ، فمهما طلبوه وتمنوه أدركوه.
[٥٨] ولهم أيضا (سَلامٌ) حاصل لهم (قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ). ففي هذا ، كلام الرب تعالى لأهل الجنة ، وسلامه عليهم ، وأكده بقوله : (قَوْلاً) وإذا سلّم عليهم الرب الرحيم ، حصلت لهم السلامة التامة ، من جميع الوجوه ، وحصلت لهم التحية ، الّتي لا تحية أعلى منها ، ولا نعيم مثلها. فما ظنك بتحية ملك الملوك ، الرب العظيم ، الرؤوف الرحيم ، لأهل دار كرامته ، الّذين أحل عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبدا. فلو لا أن الله تعالى ، قدّر أن يموتوا ، أو تزول قلوبهم عن أماكنهم من الفرح ، والبهجة ، والسرور ، لحصل ذلك. فنرجو ربنا ، أن لا يحرمنا ذلك النعيم ، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم.
[٥٩] لما ذكر تعالى جزاء المتقين ، ذكر جزاء المجرمين (وَ) أنهم يقال لهم يوم القيامة (امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) (٥٩) أي : تميزوا عن المؤمنين ، وكونوا على حدة ، ليوبخهم ، ويقرعهم على رؤوس الأشهاد ، قبل أن يدخلهم النار ، فيقول لهم :
[٦٠ ـ ٦١] (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) أي : ألم آمركم وأوصيكم ، على ألسنة رسلي ، وأقول لكم : (يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) أي : لا تطيعوه؟ وهذا التوبيخ ، يدخل فيه التوبيخ عن جميع أنواع الكفر والمعاصي ، لأنها كلها طاعة للشيطان ، وعبادة له. (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) فحذرتكم منه ، غاية التحذير ، وأنذرتكم عن طاعته ، وأخبرتكم بما يدعوكم إليه ، (وَ) أمرتكم (أَنِ اعْبُدُونِي) بامتثال أوامري وترك زواجري. (هذا) أي : عبادتي وطاعتي ، ومعصية الشيطان (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ). فعلوم الصراط المستقيم وأعماله ، ترجع إلى هذين الأمرين.
[٦٢] أي : فلم تحفظوا عهدي ، ولم تعملوا بوصيتي ، (وَلَقَدْ) واليتم عدوكم ، وهو الشيطان ، الذي (أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) أي : خلقا كثيرا. (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) أي : فلا كان لكم عقل ، يأمركم بموالاة ربكم ، ووليكم الحقّ ، ويزجركم عن اتخاذ أعدى الأعداء لكم وليا ، فلو كان لكم عقل صحيح لما فعلتم ذلك.
[٦٣] فإذا أطعتم الشيطان ، وعاديتم الرحمن ، وكذبتم بلقائه ، ووردتم القيامة دار الجزاء ، وحق عليكم القول بالعذاب (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (٦٣) وتكذبون بها ، فانظروا إليها عيانا ، فهناك تنزعج منهم القلوب ، وتزوغ الأبصار ، ويحصل الفزع الأكبر.
[٦٤] ثمّ يكمل ذلك ، بأن يؤمر بهم إلى النار ، ويقال لهم : (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٦٤) أي : ادخلوها على وجه تصلاكم ، ويحيط بكم حرها ، ويبلغ منكم كلّ مبلغ ، بسبب كفركم بآيات الله ، وتكذيبكم لرسل الله.