[٦٥] قال تعالى في بيان وصفهم الفظيع ، في دار الشقاء (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) بأن نجعلهم خرسا ، فلا يتكلمون ، فلا يقدرون على إنكار ما عملوه ، من الكفر ، والتكذيب. (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي : تشهد عليهم أعضاؤهم بما عملوه ، وينطقها الذي أنطق كل شيء.
[٦٦] (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) بأن نذهب أبصارهم ، كما طمسنا على نطقهم. (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) أي : فبادروا إليه ؛ لأنه الطريق إلى الوصول إلى الجنة (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) وقد طمست أبصارهم.
[٦٧] (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) أي : لأذهبنا حركتهم (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا) إلى الأمام (وَلا يَرْجِعُونَ) إلى ورائهم ، ليبعدوا عن النار. والمعنى : أن هؤلاء الكفار ، حقت عليهم كلمة العذاب ، ولم يكن بدّ من عقابهم. وفي ذلك الموطن ، ما ثمّ إلا النار قد برزت ، وليس لأحد نجاة إلا بالعبور على الصراط. وهذا لا يستطيعه إلا أهل الإيمان ، الّذين يمشون في نورهم. وأما هؤلاء ، فليس لهم عند الله من عهد في النجاة من النار. فإن شاء طمس أعينهم ، وأبقى حركتهم ، فلم يهتدوا إلى الصراط لو استبقوا إليه وبادروه. وإن شاء ، أذهب حراكهم ، فلم يستطيعوا التقدم ولا التأخر. والمقصود : أنهم لا يعبرونه ، فلا تحصل لهم النجاة.
[٦٨] يقول تعالى : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ) من بني آدم (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) أي : يعود إلى الحالة الّتي ابتدأ منها ، حالة الضعف ، ضعف العقل ، وضعف القوة. (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أن الآدمي ناقص من كلّ وجه ، فيتداركوا قولهم وعقولهم ، فيستعملوها في طاعة ربهم.
[٦٩] ينزه تعالى نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم عمّا رماه به المشركون ، من أنه شاعر ، وأن الذي جاء به شعر فقال : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) أن يكون شاعرا ، أي : هذا من جنس المحال ، أن يكون شاعرا ؛ لأنه رشيد مهتد ، والشعراء غاوون ، يتبعهم الغاوون. ولأن الله تعالى ، حسم جميع الشبه ، الّتي يتعلّق بها الضالون ، عن رسوله. فحسم أن يكون يكتب أو يقرأ ، وأخبر أنه ما علمه الشعر ، وما ينبغي له (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أي : ما هذا الذي جاء به إلا ذكر يتذكر به أولو الألباب ، جميع المطالب الدينية ، فهو مشتمل عليها ، أتم اشتمال وهو يذكر العقول ، ما ركز الله في فطرها من الأمر بكل حسن ، والنهي عن كلّ قبيح. (وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أي : مبين لما يطلب بيانه. ولهذا حذف المعمول ، ليدلّ على أنه مبين لجميع الحقّ ، بأدلته التفصيلية ، والإجمالية ، والباطل وأدلة بطلانه ، وأنزله الله كذلك على رسوله.
[٧٠ ـ ٧١] (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) أي : حي القلب واعيه ، فهو الذي يزكو على هذا القرآن. وهو الذي يزداد من العلم منه والعمل ، ويكون القرآن لقلبه ، بمنزلة المطر للأرض الطيبة الزاكية. (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) لأنهم قامت عليهم به حجة الله ، وانقطع احتجاجهم ، فلم يبق لهم أدنى عذر وشبهة يدلون بها.
[٧٢ ـ ٧٣] يأمر تعالى العباد بالنظر إلى ما سخر لهم من الأنعام وذللها ، وجعلهم مالكين لها ، مطاوعة لهم في