تعالى ، محيط بجميع مخلوقاته في جميع أحوالها ، في جميع الأوقات. ويعلم ما تنقص الأرض من أجساد الأموات ، وما يبقى ، ويعلم الغيب والشهادة. فإذا أقر العبد بهذا العلم العظيم ، علم أنه أعظم وأجل من إحياء الله الموتى من قبورهم.
[٨٠] ثمّ ذكر دليلا ثالثا فقال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (٨٠) فإذا أخرج النار اليابسة ، من الشجر الأخضر ، الذي هو غاية الرطوبة ، مع تضادهما ، وشدة تخالفهما ، فإخراجه الموتى من قبورهم ، مثل ذلك.
[٨١] ثمّ ذكر دليلا رابعا فقال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) على سعتهما وعظمهما (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) أي : أن يعيدهم بأعيانهم. (بَلى) قادر على ذلك ، فإن خلق السموات والأرض ، أكبر من خلق الناس. (وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) وهذا دليل خاص ، فإنه تعالى الخلّاق ، الذي جميع المخلوقات ، متقدمها ، ومتأخرها ، وصغيرها ، وكبيرها ـ كلها أثر من آثار خلقه وقدرته ، وأنه لا يستعصي عليه مخلوق أراد خلقه.
[٨٢] فإعادته للأموات ، فرد من أفراد آثار خلقه ، ولهذا قال : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً) نكرة في سياق الشرط ، فتعم كلّ شيء. (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي : في الحال من غير تمانع.
[٨٣] (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) وهذا دليل سادس ، فإنه تعالى هو الملك المالك لكل شيء ، الذي جميع ما سكن في العالم العلوي والسفلي ملك له ، وعبيد مسخرون ومدبرون ، يتصرف فيهم بأقداره الحكيمة ، وأحكامه الشرعية ، وأحكامه الجزائية. فإعادته إياهم بعد موتهم ، لينفذ فيهم حكم الجزاء ، من تمام ملكه ، ولهذا قال : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) من غير امتراء ولا شك ، لتواتر البراهين القاطعة والأدلة الساطعة ، على ذلك. فتبارك الذي جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور. تم تفسير سورة يس.
تفسير سورة الصافات
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] هذا قسم منه تعالى ، بالملائكة الكرام ، في حال عباداتها ، وتدبيرها ما تدبره بإذن ربها ، على ألوهيته تعالى ، وربوبيته ، فقال : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) (١) أي : صفوفا في خدمة ربهم ، وهم الملائكة.
[٢] (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) (٢) وهم الملائكة ، يزجرون السحاب وغيره بأمر الله.
[٣] (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) (٣) وهم : الملائكة الّذين يتلون كلام الله تعالى.
[٤] فلما كانوا متألهين لربهم ، ومتعبدين في خدمته ، ولا يعصونه طرفة عين ، أقسم بهم على ألوهيته فقال :