[٥٧ ـ ٥٩] (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) على أن ثبتني على الإسلام (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) في العذاب معك (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (٥٩) أي : يقوله المؤمن ، مبتهجا بنعمة الله ، على أهل الجنة بالخلود الدائم فيها ، والسلامة من العذاب ، استفهام بمعنى الإثبات والتقرير. وقوله : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٥٠) وحذف المعمول ، والمقام مقام لذة وسرور ، يدلّ ذلك على أنهم يتساءلون بكل ما يلتذون بالتحدث به ، والمسائل التي وقع فيها النزاع والإشكال. ومن المعلوم أن لذة أهل العلم بالتساؤل عن العلم ، والبحث عنه ، فوق اللذات الجارية في أحاديث الدنيا ، فلهم من هذا النوع ، النصيب الوافر. ويحصل لهم من انكشاف الحقائق العلمية في الجنة ، ما لا يمكن التعبير عنه.
[٦٠] فلما ذكر تعالى نعيم الجنة ، ووصفه بهذه الأوصاف الجميلة ، مدحه ، وشوّق العاملين ، وحثّهم على العمل له فقال : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦٠) الذي حصل لهم به كل خير ، وكل ما تهوى النفوس وتشتهي ، واندفع عنهم به كل محذور ومكروه. فهل فوز يطلب فوقه؟ أم هو غاية الغايات ، ونهاية النهايات ، حيث حل عليهم رضا رب الأرض والسموات ، وفرحوا بقربه ، وتنعموا بمعرفته وسروا برؤيته ، وطربوا لكلامه؟
[٦١] (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (٦١) فهو أحق ما أنفقت فيه نفائس الأنفاس وأولى ما شمر إليه العارفون الأكياس. والحسرة كل الحسرة ، أن يمضي على الحازم ، وقت من أوقاته ، وهو غير مشتغل بالعمل ، الذي يقرب لهذه الدار ، فكيف إذا كان يسير بخطاياه إلى دار البوار؟
[٦٢ ـ ٦٣] (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً) أي : ذلك النعيم الذي وصفناه لأهل الجنة ، خير ، أم العذاب الذي يكون في الجحيم ، من جميع أصناف العذاب؟ فأي الطعامين أولى؟ الطعام الذي وصف في الجنة (أَمْ) طعام أهل النار؟ وهو (شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً) أي : عذابا ونكالا (لِلظَّالِمِينَ) أنفسهم بالكفر والمعاصي.
[٦٤] (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) (٦٤) أي : وسطه فهذا مخرجها ، ومعدنها شر المعادن وأسوؤها. وشر المغرس يدل على شر الغراس وخسته ، ولهذا نبهنا الله على شرها ، بما ذكر أين تنبت به ، وبما ذكر من صفة ثمرتها.
[٦٥] وأن (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) (٦٥) فلا تسأل بعد هذا ، عن طعمها ، وما تفعل في أجوافهم وبطونهم ، وليس لهم عنها مندوحة ولا معدل.
[٦٦] ولهذا قال : (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) (٦٦) فهذا طعام أهل النار ، فبئس الطعام طعامهم.
[٦٧] ثم ذكر شرابهم فقال : (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) أي : على أثر هذا الطعام (لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) أي : ماء حارا ، قد تناهى حره ، كما قال تعالى : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) وكما قال تعالى : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ).
[٦٨] (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ) أي : مآلهم ومقرهم ومأواهم (لَإِلَى الْجَحِيمِ) ، ليذوقوا من عذابه الشديد ، وحره العظيم ، ما ليس عليه مزيد من الشقاء.