فضائل داود ، ومن منن الله عليه. حيث وهبه له. وأن من أكبر نعم الله على عبده ، أن يهب له ولدا صالحا ، فإن كان عالما ، كان نورا على نور. ومنها : ثناء الله تعالى على سليمان ومدحه في قوله : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ). ومنها : كثرة خير الله وبره بعبيده ، أن يمنّ عليهم بصالح الأعمال ، ومكارم الأخلاق ، ثمّ يثني عليهم بها ، وهو المتفضل الوهّاب. ومنها : تقديم سليمان ، محبة الله تعالى على محبة كل شيء. ومنها : أن كلّ ما شغل العبد عن الله ، فإنه مشؤوم مذموم ، فليفارق وليقبل على ما هو أنفع له. ومنها : القاعدة المشهورة «من ترك شيئا لله ، عوّضه الله خيرا منه». فسليمان عليهالسلام عقر الجياد الصافنات المحبوبة للنفوس ، تقديما لمحبة الله ، فعوضه الله خيرا من ذلك ، بأن سخّر له الريح الرخاء اللينة ، الّتي تجري بأمره إلى حيث أراد وقصد ، غدوها شهر ، ورواحها شهر ، وسخّر له الشياطين ، أهل الاقتدار على الأعمال الّتي لا يقدر عليها الآدميون. ومنها : أن سليمان عليهالسلام ، كان ملكا نبيا ، يفعل ما أراد ، ولكنه لا يريد إلا العدل. بخلاف النبي العبد ، فإنه تكون إرادته تابعة لأمر الله ، فلا يفعل ولا يترك ، إلا بالأمر ، كحال نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذه الحال أكمل.
[٤١] أي : (وَاذْكُرْ) في هذا الكتاب (عَبْدَنا أَيُّوبَ) بأحسن الذكر ، وأثن عليه بأحسن الثناء ، حين أصابه الضر ، فصبر على ضره ، فلم يشتك لغير ربه ، ولا لجأ إلا إليه. (إِذْ نادى رَبَّهُ) داعيا شاكيا إليه لا إلى غيره فقال : ربّ (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) أي : بأمر مشق متعب معذب ، وكان سلط على جسده فنفخ فيه ، حتى تقرح ، ثمّ تقيح بعد ذلك ، واشتد به الأمر وكذلك هلك أهله وماله.
[٤٢] فقيل : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) أي : اضرب الأرض بها ، لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب ، فيذهب عنك الضر والأذى. ففعل ذلك ، فذهب عنه الضر ، وشفاه الله تعالى.
[٤٣] (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) قيل : إن الله تعالى أحياهم له (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) في الدنيا ، وأغناه الله ، وأعطاه مالا عظيما. (رَحْمَةً مِنَّا) بعبدنا أيوب ، حيث صبر فأثبناه من رحمتنا ، ثوابا عاجلا وآجلا. (وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي : وليتذكر أولو العقول بحالة أيوب ، ويعتبروا ، فيعلموا أن من صبر على الضر ، فإن الله تعالى يثيبه ثوابا عاجلا وآجلا ، ويستجيب دعاءه إذا دعاه.
[٤٤] (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) أي : حزمة شماريخ (فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ). قال المفسرون : وكان في مرضه وضره ، قد غضب على زوجته في بعض الأمور. فحلف : لئن شفاه الله ، ليضربنها مائة جلدة. فلما شفاه الله ، وكانت امرأته صالحة محسنة إليه ، رحمها الله ورحمه ، فأفتاه أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ ، ضربة واحدة ، فيبر في يمينه. (إِنَّا وَجَدْناهُ) أي : أيوب (صابِراً) أي : ابتليناه بالضر العظيم ، فصبر لوجه الله تعالى. (نِعْمَ الْعَبْدُ) الذي كمل مراتب العبودية ، في حال السراء والضراء ، والشدة والرخاء. (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي : كثير الرجوع إلى الله ، في مطالبه الدينية والدنيوية ، كثير الذكر لربه ، والدعاء. والمحبة ، والتأله.
[٤٥] يقول تعالى : (وَاذْكُرْ عِبادَنا) الّذين أخلصوا لنا العبادة ذكرا حسنا. (إِبْراهِيمَ) الخليل (وَ) ابنه (إِسْحاقَ) وابنه (يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي) أي : القوة على عبادة الله تعالى (وَالْأَبْصارِ) أي : البصيرة في دين الله.