فوصفهم بالعلم النافع ، والعمل الصالح الكثير.
[٤٦] (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ) عظيمة ، وخصيصة جسيمة وهي : (ذِكْرَى الدَّارِ) جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم ، والعمل لها صفوة وقتهم ، والإخلاص والمراقبة لله ، وصفهم الدائم ، وجعلناهم ذكرى الدار ، يتذكر بأحوالهم المتذكر ، ويعتبر بهم المعتبر ، ويذكرون بأحسن الذكر.
[٤٧] (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) الذين اصطفاهم الله من صفوة خلقه. (الْأَخْيارِ) الّذين لهم خلق كريم ، وعمل مستقيم.
[٤٨] أي : واذكر هؤلاء الأنبياء بأحسن الذكر ، وأثن عليهم أحسن الثناء. فإن كلا منهم ، من الأخيار الّذين اختارهم الله من الخلق ، واختار لهم أكمل الأحوال ، من الأعمال ، والأخلاق والصفات الحميدة ، والخصال السديدة.
[٤٩] (هذا ذِكْرٌ) أي : ذكر هؤلاء الأنبياء الصفوة وذكر أوصافهم ، ذكر في هذا القرآن ذي الذكر ، يتذكر بأحوالهم المتذكرون ، ويشتاق إلى الاقتداء بأوصافهم الحميدة ، المقتدون ، ويعرف ما منّ الله عليهم به من الأوصاف الزكية ، وما نشر لهم من الثناء بين البرية. فهذا نوع من أنواع الذكر ، وهو ذكر أهل الخير ، ومن أنواع الذكر ، ذكر جزاء أهل الخير ، وأهل الشر ، ولهذا قال : (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) ربهم ، بامتثال الأوامر ، واجتناب النواهي ، من كلّ مؤمن ومؤمنة. (لَحُسْنَ مَآبٍ) أي : لمآبا حسنا ، ومرجعا مستحسنا.
[٥٠] ثمّ فسره وفصله فقال : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي : جنات إقامة ، لا يبغي صاحبها بدلا منها ، من كمالها ، وتمام نعيمها ، وليسوا بخارجين منها ، ولا بمخرجين. (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) أي : مفتحة لأجلهم أبواب منازلها ومساكنها ، لا يحتاجون أن يفتحوها ، بل هم مخدومون. وهذا دليل أيضا ، على الأمان التام ، وأنه ليس في جنات عدن ، ما يوجب أن يغلق لأجله أبوابها.
[٥١] (مُتَّكِئِينَ فِيها) على الأرائك المزينات ، والمجالس المزخرفات. (يَدْعُونَ فِيها) أي : يأمرون خدامهم ، أن يأتوا (بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ) من كلّ ما تشتهيه نفوسهم ، وتلذه أعينهم. وهذا يدل على كمال النعيم ، وكمال الراحة والطمأنينة ، وتمام اللذة.
[٥٢] (وَعِنْدَهُمْ) من أزواجهم ، الحور العين (قاصِراتُ الطَّرْفِ) على أزواجهن ، وطرف أزواجهن عليهن ، لجمالهم كلهم ، ومحبة كلّ منهما للآخر ، وعدم طموحه لغيره ، وأنه لا يبغي بصاحبه بدلا ، وعنه عوضا. (أَتْرابٌ) أي : على سن واحد ، أعدل سن الشباب وأحسنه وألذه.
[٥٣] (هذا ما تُوعَدُونَ) أيها المتقون (لِيَوْمِ الْحِسابِ) جزاء على أعمالكم الصالحة.
[٥٤] (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا) الذي أوردناه على أهل النعيم (ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) أي : انقطاع ، بل هو دائم مستقر في جميع الأوقات ، متزايد في جميع الآنات. وليس هذا بعظيم على الرب الكريم ، الرؤوف الرحيم ، البر الجواد ، الواسع الغني ، الحميد اللطيف الرحمن ، الملك الديان ، الجليل الجميل المنان ، ذي الفضل الباهر ، والكرم المتواتر ، الذي لا تحصى نعمه ، ولا يحاط ببعض بره.
[٥٥] (هذا) الجزاء للمتقين ما وصفناه (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) أي : للمتجاوزين للحد في الكفر والمعاصي (لَشَرَّ مَآبٍ) أي : لشر مرجع ومنقلب. ثمّ فصله فقال :
[٥٦] (جَهَنَّمَ) الّتي جمع فيها كلّ عذاب واشتد حرها ، وانتهى