شَيْءٍ شَهِيدٌ). وقد أخبرنا بالفصل بينهم بعدها بقوله : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) (٢١) إلى أن قال : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ). وقال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ... (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ) ففي هذه الآية ، بيان عموم خلقه تعالى ، وعموم علمه ، وعموم حكمه بين عباده. فقدرته التي نشأت عنها المخلوقات ، وعلمه المحيط بكل شيء ، دال على حكمه بين عباده ، وبعثهم ، وعلمه بأعمالهم ، خيرها وشرها ، وبمقادير جزائها ، وخلقه دال على علمه (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ).
[٤٧ ـ ٤٨] لما ذكر تعالى ، أنه الحاكم بين عباده ، وذكر مقالة المشركين وشناعتها ، كأن النفوس تشوفت إلى ما يفعل الله بهم يوم القيامة ، أخبر أن لهم (سُوءِ الْعَذابِ) أي : أشده وأفظعه ، كما قالوا أشد الكفر وأشنعه. وأنهم على ـ الفرض والتقدير ـ لو كان لهم ما في الأرض جميعا ، من ذهبها ، وفضتها ، ولؤلؤها ، وحيواناتها ، وأشجارها ، وزروعها ، وجميع أوانيها ، وأثاثها ، ومثله معه ، ثم بذلوه يوم القيامة ليفتدوا به من العذاب ، وينجوا منه ، ما قبل منهم ، ولا أغنى عنهم من عذاب الله شيئا ، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٩). (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) أي : يظنون من السخط العظيم ، والمقت الكبير ، وقد كانوا يحكمون لأنفسهم بغير ذلك. (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي : الأمور التي تسوؤهم ، بسبب صنيعهم وكسبهم. (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من الوعيد والعذاب الذي نزل بهم ، وما حل عليهم من العقاب.
[٤٩] يخبر تعالى عن حالة الإنسان وطبيعته ، أنه حين يمسه ضر ، من مرض ، أو شدة ، أو كرب. (دَعانا) ملحا في تفريج ما نزل به (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ) أي : أعطيناه (نِعْمَةً مِنَّا) فكشفنا ضره وأزلنا مشقته ، عاد بربه كافرا ، ولمعروفه منكرا. و (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) أي : علم من الله ، أني له أهل ، وأني مستحق له ، لأني كريم عليه ، أو على علم مني ، بطرق تحصيله. قال تعالى : (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) يبتلي الله بها عباده ، لينظر من يشكره ممن يكفره. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فلذلك يعدون الفتنة منحة. ويشتبه عليهم الخير المحض ، بما قد يكون سببا للخير أو للشر.
[٥٠] قال تعالى : (قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : قولهم (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ). فما زالت متوارثة عند المكذبين ، لا يقرون بنعمة ربهم ، ولا يرون له حقا. فلم يزل دأبهم ، حتى أهلكوا ، (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) حين جاءهم العذاب.
[٥١] (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) والسيئات في هذا الموضع : العقوبات ، لأنها تسوء الإنسان وتحزنه. (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) فليسوا خيرا من أولئك ولم يكتب لهم براءة في الزبر. ولما ذكر أنهم اغتروا بالمال ، وزعموا بجهلهم ، أنه يدل على حسن حال صاحبه :
[٥٢] أخبرهم تعالى ، أن رزقه ، لا يدل على ذلك ، و (أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) من عباده ، سواء كان صالحا أو طالحا (وَيَقْدِرُ) الرزق. أي :