أي : ينزهونه عن كل ما لا يليق بجلاله ، مما نسب إليه المشركون ، وما لم ينسبوا. (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي : بين الأولين والآخرين من الخلق (بِالْحَقِ) الذي لا اشتباه فيه ولا إنكار ، ممن عليه الحق. (وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) لم يذكر القائل من هو ، ليدل ذلك على أن جميع الخلق ، نطقوا بحمد ربهم ، وحكمته على ما قضى به على أهل الجنة ، وأهل النار ، حمد فضل وإحسان ، وحمد عدل وحكمة.
سورة غافر
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يخبر تعالى عن كتابه العظيم ، وأنه صادر ومنزل من الله ، المألوه المعبود ، لكماله ، وانفراده بأفعاله.
[٢] (الْعَزِيزِ) الذي قهر بعزته كل مخلوق (الْعَلِيمِ) بكل شيء.
[٣] (غافِرِ الذَّنْبِ) للمذنبين (وَقابِلِ التَّوْبِ) من التائبين. (شَدِيدِ الْعِقابِ) على من تجرأ على الذنوب ، ولم يتب منها (ذِي الطَّوْلِ) أي : التفضل والإحسان الشامل. فلما قرر ما قرر من كماله ، وكان ذلك موجبا لأن يكون وحده المألوه ، الذي تخلص له الأعمال قال : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ). ووجه المناسبة بذكر نزول القرآن من الله ، الموصوف بهذه الأوصاف ، أن هذه الأوصاف ، مستلزمة لجميع ما يشتمل عليه القرآن ، من المعاني. فإن القرآن : إما إخبار عن أسماء الله ، وصفاته ، وأفعاله ؛ وهذه أسماء ، وأوصاف ، وأفعال. وإما إخبار عن نعمه العظيمة ، وآلائه الجسيمة ، وما يوصل إلى ذلك من الأوامر. فذلك يدل عليه قوله : (ذِي الطَّوْلِ). وإما إخبار عن نقمه الشديدة ، وعمّا يوجبها ويقتضيها من المعاصي ، فذلك يدل عليه (شَدِيدِ الْعِقابِ). وإما دعوة للمذنبين إلى التوبة والإنابة ، والاستغفار فذلك يدل عليه قوله : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ). وإما إخبار بأنه وحده ، المألوه المعبود ، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على ذلك ، والحث عليه ، والنهي عن عبادة ما سوى الله وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على فسادها ، والترهيب منها ، فذلك يدل عليه قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). وإما إخبار عن حكمه الجزائي العدل ، وثواب المحسنين ، وعقاب العاصين ، فهذا يدل عليه قوله : (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ). فهذا جميع ما يشتمل عليه القرآن من المطالب العاليات.
[٤] يخبر تبارك وتعالى أنه (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) والمراد بالمجادلة هنا ، المجادلة لرد آيات الله ، ومقابلتها بالباطل فهذا من صنيع الكفار. وأما المؤمنون ، فيخضعون للحق ، ليدحضوا به الباطل. ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية ، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا ، دليل على محبته له ، وأنه على الحق ، لهذا قال : (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) أي : ترددهم فيها ، بأنواع التجارات والمكاسب. بل الواجب على العبد ، أن يعتبر الناس بالحق ، وينظر إلى الحقائق الشرعية ، ويزن بها الناس ، ولا يزن الحق بالناس ، كما عليه من لا علم ولا عقل له.
[٥] ثم هدد من جادل بآيات الله ليبطلها ، كما فعل من قبله من الأمم من (قَوْمُ نُوحٍ) وعاد (وَالْأَحْزابُ مِنْ