إلى أهوالها ، وقلاقلها ، وزلازلها. (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) أي : قد ارتفعت ، وبقيت أفئدتهم هواء ، ووصلت القلوب ، من الروع والكرب ، إلى الحناجر ، شاخصة أبصارهم. (كاظِمِينَ) لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، وكاظمين على ما في قلوبهم ، من الروع الشديد ، والمزعجات الهائلة. (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) أي : قريب ولا صاحب (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ). لأنه الشفعاء لا يشفعون في الظالم نفسه بالشرك ، ولو قدرت شفاعتهم ، فالله تعالى لا يرضى شفاعتهم ، فلا يقبلها.
[١٩] (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) وهو النظر الذي يخفيه العبد عن جليسه ومقارنه ، وهو نظر المسارقة. (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) مما لم يبينه العبد لغيره ، فالله تعالى يعلم ذلك الخفي ، فغيره من الأمور الظاهرة ، من باب أولى وأحرى.
[٢٠] (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) لأن قوله حق ، وحكمه الشرعي حق ، وحكمه الجزائي حق. وهو المحيط علما ، وكتابة ، وحفظا بجميع الأشياء ، وهو المنزه عن الظلم والنقص ، وسائر العيوب. وهو الذي يقضي قضاءه القدري ، الذي إذا شاء شيئا كان ، وما لم يشأ لم يكن. وهو الذي يقضي بين عباده المؤمنين والكافرين في الدنيا ، ويفصل بينهم ، بفتح ينصر به أولياءه وأحبابه. (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) وهذا شامل لكل ما عبد من دون الله (لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) لعجزهم ، وعدم إرادتهم للخير ، وعدم استطاعتهم لفعله. (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ) لجميع الأصوات ، باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات. (الْبَصِيرُ) بما كان وما يكون ، وما يبصر ، وما لا يبصر ، وما يعلم العباد ، وما لا يعلمون. قال في أول هاتين الآيتين (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) ثمّ وصفها بهذه الأوصاف ، المقتضية للاستعداد لذلك اليوم العظيم ، لاشتمالها على الترغيب والترهيب.
[٢١] يقول تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي : بقلوبهم وأبدانهم ، سير نظر واعتبار ، وتفكر في الآثار. (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) من المكذبين ، فسيجدونها شر العواقب ، عاقبة الهلاك والدمار ، والخزي والفضيحة. وقد (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) في العدد والعدد وكبر الأجسام. (وَ) أشد (آثاراً فِي الْأَرْضِ) من البناء والغرس. وقوة الآثار تدل على قوة المؤثر فيها ، وعلى تمنعه بها. (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) بعقوبته (بِذُنُوبِهِمْ) حين أصروا ، واستمروا عليها.
[٢٢] (إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) فلم تغن قوتهم عند قوة الله شيئا. بل من أعظم الأمم قوة ، قوم عاد الّذين قالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) أرسل الله إليهم ريحا ، أضعفت قواهم ، ودمرتهم كل تدمير. ثمّ ذكر نموذجا من أحوال المكذبين بالرسل ، وهو فرعون وجنوده فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى) إلى قوله : (أَشَدَّ الْعَذابِ).
[٢٣] أي (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) إلى جنس هؤلاء المكذبين (مُوسى) ابن عمران. (بِآياتِنا) العظيمة ، الدالة دلالة قطعية ، على حقيقة ما أرسل به ، وبطلان ما عليه من أرسل إليهم من الشرك ، وما يتبعه. (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : حجة بيّنة ، تتسلط على القلوب ، فتذعن لها ، كالحية ، والعصا ، ونحوهما من الآيات البينات ، التي أيّد الله بها موسى ، ومكّنه مما دعا إليه من الحقّ.