[٢٤] (إِلى) المبعوث إليهم (فِرْعَوْنَ وَهامانَ) وزيره (وَقارُونَ) الذي كان من قوم موسى ، فبغى عليهم بماله. وكلهم ردوا عليه أشد الرد (فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ).
[٢٥] (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا) وأيده الله بالمعجزات الباهرة ، الموجبة لتمام الإذعان ، لم يقابلوها بذلك ، ولم يكفهم مجرد الترك والإعراض ، بل ولا إنكارها ومعارضتها بباطلهم. بل وصلت بهم الحال الشنيعة إلى أن (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ) حيث كادوا هذه المكيدة ، وزعموا أنهم إذا قتلوا أبناءهم ، لم يقووا ، وبقوا في رقهم ، وتحت عبوديتهم. (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) حيث لم يتم لهم ما قصدوا ، بل أصابهم ضد ما قصدوا ، أهلكهم الله ، وأبادهم عن آخرهم.
قاعدة
وتدبر هذه النكتة ، التي يكثر مرورها بكتاب الله تعالى. إذا كان السياق في قصة معينة ، أو على شيء معين ، وأراد الله أن يحكم على ذلك المعين بحكم ، لا يختص به ذكر الحكم ، وعلقه على الوصف العام ، ليكون أعم ، وتندرج فيه الصورة ، التي سبق الكلام لأجلها ، وليندفع الإيهام باختصاص الحكم بذلك المعين. فلهذا لم يقل «وما كيدهم إلّا في ضلال» بل قال : (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ).
[٢٦ ـ ٢٨] و (قالَ فِرْعَوْنُ) متكبرا متجبرا ، مغررا لقومه السفهاء : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) أي : زعم ـ قبحه الله ـ أنه لو لا مراعاة خواطر قومه ، لقتله ، وأنه لا يمنعه من دعاء ربه. ثمّ ذكر الحامل له على إرادة قتله ، وأنه نصح لقومه ، وإزالة للشر في الأرض فقال : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) الذي أنتم عليه (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ). وهذا من أعجب ما يكون ، أن يكون شر الخلق ، ينصح الناس عن اتباع خير الخلق. هذا من التمويه والترويج ، الذي لا يدخل إلا عقل من قال الله فيهم : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٥٤). (وَقالَ مُوسى) حين قال فرعون تلك المقالة الشنيعة ، التي أوجبها له طغيانه ، واستعان فيها بقوته واقتداره ، مستعينا موسى بربه : (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) أي : امتنعت بربوبيته ، التي دبر بها جميع الأمور. (مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) أي : يحمله تكبره ، وعدم إيمانه بيوم الحساب ، على الشر والفساد. يدخل فيه فرعون وغيره ، كما تقدم قريبا في القاعدة ، فمنعه الله تعالى بلطفه ، من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب. وقيّض له من الأسباب ، ما اندفع به عنه شر فرعون وملئه. ومن جملة الأسباب ، هذا الرجل المؤمن ، الذي من آل فرعون ، من بيت المملكة ، لا بد أن يكون له كلمة مسموعة ، وخصوصا إذا كان يظهر موافقتهم ، ويكتم إيمانه ، فإنهم يراعونه في الغالب ، ما لا يراعونه لو خالفهم في الظاهر. كما منع الله رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم ، بعمه أبي طالب من قريش ، حيث كان أبو طالب كبيرا عندهم ، موافقا لهم على دينهم ، ولو كان مسلما لم يحصل منه ذلك المنع. فقال ذلك الرجل المؤمن الموفق العاقل الحازم ، مقبحا فعل قومه ، وشناعة ما عزموا عليه : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) أي : كيف تستحلون قتله ، وهذا ذنبه وجرمه ، أن يقول ربي الله ، ولم يكن أيضا