فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) (١٠٧). فيجيبهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ). وحين يقال للمشركين : (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ). فخوفهم رضي الله عنه ، هذا اليوم المهول ، وتوجع لهم أن قاموا على شركهم بذلك. ولهذا قال :
[٣٣] (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) أي : قد ذهب بكم إلى النار (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) لا من أنفسكم قوة ، تدفعون بها عذاب الله ، ولا ينصركم من دونه من أحد (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) (١٠). (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) لأن الهدى بيد الله تعالى. فإذا منع عبده الهدى ، لعلمه أنه غير لائق به ، لخبثه ، فلا سبيل إلى هدايته.
[٣٤] (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ) بن يعقوب عليهماالسلام (مِنْ قَبْلُ) إتيان موسى ، بالبينات الدالة على صدقه ، وأمركم بعبادة ربكم وحده لا شريك له. (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) في حياته (حَتَّى إِذا هَلَكَ) ازداد شككم وشرككم. و (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) أي : ظنكم الباطل ، وحسبانكم الذي لا يليق بالله تعالى ، فإنه تعالى لا يترك خلقه سدى ، لا يأمرهم وينهاهم ، بل يرسل إليهم رسله. والظن بأن الله لا يرسل رسولا ، ظن ضلال ، ولهذا قال : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) وهذا هو وصفهم الحقيقي ، الذي وصفوا به موسى ، ظلما وعلوا. فهم المسرفون ، بتجاوزهم الحق ، وعدولهم عنه إلى الضلال. وهم الكذبة ، حيث نسبوا ذلك إلى الله ، وكذبوا رسوله. فالذي وصفه السرف والكذب ، لا ينفك عنهما ، لا يهديه الله ، ولا يوفقه للخير ، لأنه رد الحق بعد أن وصل إليه وعرفه. فجزاؤه أن يعاقبه ، بأن يمنعه الهدى كما قال تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١٠) (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
[٣٥] ثم ذكر وصف المسرف المرتاب فقال : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) التي بينت الحق من الباطل ، وصارت ـ من ظهورها ـ بمنزلة الشمس للبصر. فهم يجادلون فيها على وضوحها ، ليدفعوها ويبطلوها (بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ) أي : بغير حجة وبرهان ، وهذا وصف لازم ، لكل من جادل في آيات الله ، فإنه من المحال ، أن يجادل بسلطان ؛ لأن الحق لا يعارضه معارض ، فلا يمكن أن يعارض بدليل شرعي أو عقلي أصلا. (كَبُرَ) ذلك القول المتضمن لرد الحق بالباطل (مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا). فالله أشد بغضا لصاحبه ؛ لأنه تضمن التكذيب بالحق ، والتصديق بالباطل ، ونسبته إليه. وهذه أمور يشتد بغض الله لها ولمن اتصف بها ، وكذلك عباده المؤمنون يمقتون على ذلك أشد المقت موافقة لربهم ، وهؤلاء خواص خلق الله تعالى فمقتهم دليل على شناعة من مقتوه ، (كَذلِكَ) أي : كما طبع على قلوب آل فرعون (يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) متكبر في نفسه على الحق برده وعلى الخلق باحتقارهم ، جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.
[٣٦ ـ ٣٧] (وَقالَ فِرْعَوْنُ) معارضا لموسى ، ومكذبا له في دعوته إلى الإقرار برب العالمين ، الذي على العرش استوى ، وعلى الخلق اعتلى : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) أي : بناء عظيما مرتفعا. والقصد منه (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) في دعواه أن لنا ربا ، وأنه فوق السموات.