والغراس الأنيقة ، والزروع الكثيرة (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) حين جاءهم أمر الله. فلم تغن عنهم قوتهم ، ولا افتدوا بأموالهم ، ولا تحصنوا بحصونهم.
[٨٣] ثمّ ذكر جرمهم الكبير فقال : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) من الكتب الإلهية ، والخوارق العظيمة ، والعلم النافع المبين ، الهادي من الضلال ، والحقّ من الباطل (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) المناقض لدين الرسل. ومن المعلوم ، أن فرحهم به ، يدل على شدة رضاهم به ، وتمسكهم ، ومعاداة الحقّ ، الذي جاءت به الرسل ، وجعل باطلهم حقا ، وهذا عام لجميع العلوم ، التي نوقض بها ما جاءت به الرسل. ومن أحقها بالدخول في هذا ، علوم الفلسفة ، والمنطق اليوناني ، الذي ردّت به كثير من آيات القرآن ، ونقصت قدره في القلوب ، وجعلت أدلته اليقينية القاطعة ، أدلة لفظية ، لا تفيد شيئا من اليقين ، ويقدم عليها عقول أهل السفه والباطل. وهذا من أعظم الإلحاد في آيات الله ، والمعارضة لها ، والمناقضة ، فالله المستعان. (وَحاقَ بِهِمْ) أي : نزل وأحاط بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب.
[٨٤] (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) أي : عذابنا ، أقروا حيث لا ينفعهم الإقرار (قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) من الأصنام والأوثان وتبرأنا من كل ما خالف الرسل ، من علم أو عمل.
[٨٥] (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) أي : في تلك الحال ، وهذه (سُنَّتَ اللهِ) وعادته (الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) أن المكذبين حين ينزل بهم بأس الله وعقابه إذا آمنوا ، كان إيمانهم غير صحيح ، ولا منجيا لهم من العذاب. وذلك لأنه إيمان ضرورة قد اضطروا إليه ، وإيمان مشاهدة. وإنّما الإيمان الذي ينجي صاحبه ، هو الإيمان الاختياري ، الذي يكون إيمانا بالغيب ، وذلك قبل وجود قرائن العذاب. (وَخَسِرَ هُنالِكَ) أي : وقت الإهلاك ، وإذاقة البأس (الْكافِرُونَ) دينهم ودنياهم وأخراهم. ولا يكفي مجرد الخسارة ، في تلك الدار ، بل لا بد من خسران يشقي في العذاب الشديد ، والخلود فيه ، دائما أبدا.
تفسير سورة فصّلت
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] يخبر تعالى عباده أن هذا الكتاب الجليل والقرآن الجميل (تَنْزِيلٌ) صادر (مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الذي وسعت رحمته كل شيء ، الذي من أعظم رحمته وأجلّها ، إنزال هذا الكتاب ، الذي حصل به ، من العلم والهدى ، والنور ، والشفاء ، والرحمة ، والخير الكثير ، ما هو من أجلّ نعمه على العباد ، وهو الطريق للسعادة في الدارين.
[٣] ثمّ أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال : (فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي : فصل كل شيء من أنواعه على حدته ، وهذا