أي : يتكرر نزولهم عليهم ، مبشرين لهم عند الاحتضار. (أَلَّا تَخافُوا) على ما يستقبل من أمركم ، (وَلا تَحْزَنُوا) على ما مضى. فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل. (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فإنها قد وجبت لكم وثبتت ، وكان وعد الله مفعولا.
[٣١] ويقولون لهم أيضا ـ مثبتين لهم ، ومبشرين ـ : (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) يحثونهم في الدنيا على الخير ، ويزينونه لهم ، ويرهبونهم عن الشر ، ويقبحونه في قلوبهم ، ويدعون الله لهم ، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف ، وخصوصا عند الموت وشدته ، والقبر وظلمته ، وفي القيامة وأهوالها على الصراط ، وفي الجنة ، يهنئونهم بكرامة ربهم ، ويدخلون عليهم من كل باب (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٤). ويقولون لهم أيضا : (وَلَكُمْ فِيها) أي : في الجنة (ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) قد أعد وهيّىء. (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) أي : تطلبون من كل ما تتعلق به إرادتكم وتطلبونه من أنواع اللذات والمشتهيات ، مما لا عين رأيت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
[٣٢] (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (٣٢) أي : هذا الثواب الجزيل ، والنعيم المقيم ، نزل وضيافة (مِنْ غَفُورٍ) غفر لكم السيئات. (رَحِيمٍ) حيث وفقكم لفعل الحسنات ، ثمّ قبلها منكم. فبمغفرته ، أزال عنكم المحذور ، وبرحمته ، أنالكم المطلوب.
[٣٣] هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي : لا أحد أحسن قولا. أي : كلاما وطريقة ، وحالة (مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) بتعليم الجاهلين ، ووعظ الغافلين والمعرضين ، ومجادلة المبطلين ، بالأمر بعبادة الله ، بجميع أنواعها ، والحث عليها ، وتحسينها مهما أمكن ، والزجر عمّا نهى الله عنه ، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه. خصوصا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه ، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن ، والنهي عمّا يضاده من الكفر والشرك ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر. ومن الدعوة إلى الله ، تحبيبه إلى عباده ، بذكر تفاصيل نعمه ، وسعة جوده ، وكمال رحمته ، وذكر أوصاف كماله ، ونعوت جلاله. ومن الدعوة إلى الله ، الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله ، وسنّة رسوله ، والحث على ذلك ، بكل طريق موصل إليه ومن ذلك الحث على مكارم الأخلاق ، والإحسان إلى عموم الخلق ، ومقابلة المسيء بالإحسان ، والأمر بصلة الأرحام ، وبر الوالدين. ومن ذلك ، الوعظ لعموم الناس ، في أوقات المواسم ، والعوارض ، والمصائب ، بما يناسب ذلك الحال ، إلى غير ذلك ، مما لا تنحصر أفراده ، بما تشمله الدعوة إلى الخير كله ، والترهيب من جميع الشر. ثمّ قال تعالى : (وَعَمِلَ صالِحاً) أي : مع دعوته الخلق إلى الله ، بادر هو بنفسه ، إلى امتثال أمر الله ، بالعمل الصالح ، الذي يرضي ربه. (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : المنقادين لأمره ، السالكين في طريقه. وهذه المرتبة ، تمامها للصديقين ، الّذين عملوا على تكميل أنفسهم ، وتكميل غيرهم ، وحصلت لهم الوراثة التامة من الرسل. كما أن من شرّ الناس قولا ، من كان من دعاة الضلال السالكين لسبله. وبين هاتين المرتبتين المتباينتين ، اللتين ارتفعت إحداهما إلى أعلى عليين ، ونزلت الأخرى ، إلى أسفل سافلين ، مراتب ، لا يعلمها إلا الله ، وكلها معمورة بالخلق (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٣٢).
[٣٤] يقول تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) أي : لا يستوي فعل الحسنات والطاعات ، لأجل رضا الله تعالى ، وفعل السيئات والمعاصي ، الّتي تسخطه ولا ترضيه. ولا يستوي الإحسان إلى الخلق ، ولا الإساءة إليهم ، لا في ذاتها ، ولا في وصفها ، ولا في جزائها (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (٦٠). ثمّ أمر بإحسان خاص ، له موقع كبير ، وهو : الإحسان إلى من أساء إليك فقال (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي : فإذا أساء إليك مسيء من الخلق ، خصوصا من له حق كبير عليك ، كالأقارب ، والأصحاب ، ونحوهم ، إساءة بالقول أو بالفعل ، فقابله بالإحسان إليه. فإن قطعك فصله ، وإن ظلمك فاعف عنه ، وإن تكلم فيك ، غائبا أو حاضرا ، فلا تقابله ، بل اعف عنه ، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك ، وترك خطابك ، فطيّب له الكلام ، وابذل له السّلام. فإذا قابلت الإساءة