تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان

قائمة الکتاب

البحث

البحث في تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان

من أحوالهم. ولهذا قال : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) أي : يهديهم لطريق الرشد ، والصراط المستقيم ويعلمهم من العلوم النافعة ، ما به تحصل الهداية التامة. وشفاء لهم من الأسقام البدنية ، والأسقام القلبية ، لأنه يزجر عن مساوئ الأخلاق ، وأقبح الأعمال ، ويحث على التوبة النصوح ، الّتي تغسل الذنوب ، وتشفي القلب. (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) بالقرآن (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) أي : صمم عن استماعه وإعراض ، (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) أي : لا يبصرون به رشدا ، ولا يهتدون به ، ولا يزيدهم إلا ضلالا. فإنهم إذا ردوا الحقّ ، ازدادوا عمى إلى عماهم ، وغيّا إلى غيّهم. (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي : ينادون إلى الإيمان ، ويدعون إليه ، فلا يستجيبون. بمنزلة الذي ينادى وهو في مكان بعيد ، لا يسمع داعيا ولا يجيب مناديا. والمقصود : أن الّذين لا يؤمنون بالقرآن ، لا ينتفعون بهداه ، ولا يبصرون بنوره ، ولا يستفيدون منه خيرا ؛ لأنهم سدوا على أنفسهم أبواب الهدى ، بإعراضهم وكفرهم.

[٤٥] يقول تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) كما آتيناك الكتاب ، فصنع به الناس ما صنعوا معك ، اختلفوا فيه : فمنهم من آمن به واهتدى وانتفع ، ومنهم من كذبه ولم ينتفع به. وإن الله تعالى ، لو لا حلمه وكلمته السابقة ، بتأخير العذاب إلى أجل مسمّى لا يتقدم عليه ولا يتأخر (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بمجرد ما يتميز المؤمنون من الكافرين ، بإهلاك الكافرين في الحال ؛ لأن سبب الهلاك ، قد وجب وحق. (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أي : قد بلغ بهم إلى الريب الذي يقلقهم ، فلذلك كذبوه وجحدوه.

[٤٦] (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) وهو العمل الذي أمر الله به ورسوله (فَلِنَفْسِهِ) نفعه وثوابه في الدنيا والآخرة (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) ضرره وعقابه ، في الدنيا والآخرة. وفي هذا ، حثّ على فعل الخير ، وترك الشر ، وانتفاع العاملين ، بأعمالهم الحسنة ، وضررهم بأعمالهم السيئة ، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى. (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فيحمّل أحدا فوق سيئاته.

[٤٧] هذا إخبار عن سعة علمه تعالى واختصاصه بالعلم الذي لا يطلع عليه سواه فقال : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : جميع الخلق يرد علمهم إلى الله تعالى ، ويقرون بالعجز عنه ، الرسل ، والملائكة ، وغيرهم. (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها) أي : وعائها الذي تخرج منه. وهذا شامل لثمرات جميع الأشجار الّتي في البلدان والبراري ، فلا تخرج ثمرة شجرة من الأشجار ، إلا وهو يعلمها تفصيليا. (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى) من بني آدم وغيرهم ، من أنواع الحيوانات ، إلا بعلمه (وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ). فكيف سوّى المشركون به تعالى ، من لا علم عنده ، ولا سمع ولا بصر؟ (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي : المشركين به يوم القيامة توبيخا وإظهارا لكذبهم فيقول لهم : (أَيْنَ شُرَكائِي) الّذين زعمتم أنهم شركائي ، فعبدتموهم ، وجادلتم على ذلك ، وعاديتم الرسل لأجلهم؟ (قالُوا) مقرين ببطلان إلهيتهم وشركتهم مع الله : (آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) أي : أعلمناك يا ربنا ، وأشهد علينا أنه ما منّا أحد يشهد بصحة إلهيتهم وشركتهم ، فكلنا الآن رجعنا إلى بطلان عبادتها ، وتبرأنا منها ، ولهذا قال :

[٤٨] (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ) من دون الله ، أي : ذهبت عقائدهم وأعمالهم ، الّتي أفنوا فيها أعمارهم على عبادة غير الله ، وظنوا أنها تفيدهم ، وتدفع عنهم العذاب ، وتشفع لهم عند الله. فخاب سعيهم ، وانتقض ظنهم ، ولم تغن عنهم شركاؤهم شيئا (وَظَنُّوا) أي : أيقنوا في تلك الحال (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي : منقذ ينقذهم ، ولا مغيث ، ولا ملجأ. فهذه عاقبة من أشرك بالله غيره ، بيّنها الله لعباده ، ليحذروا الشرك به.

[٤٩ ـ ٥١] هذا إخبار عن طبيعة الإنسان من حيث هو ، وعدم صبره وجلده ، لا على الخير ، ولا على الشر ، إلا من نقله الله من هذه الحال ، إلى حال الكمال ، فقال : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) أي : لا يمل دائما ، من دعاء الله ، بالفوز ، والمال ، والولد ، وغير ذلك ، من مطالب الدنيا. ولا يزال يعمل على ذلك ، ولا يقتنع بقليل ولا بكثير منها. فلو حصل له من الدنيا ما حصل ، لم يزل طالبا للزيادة. (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ) أي : المكروه ، كالمرض ، والفقر ، وأنواع البلايا (فَيَؤُسٌ) (قَنُوطٌ) أي : ييأس من رحمة الله تعالى ، ويظن أن هذا البلاء ، هو القاضي عليه بالهلاك ،