ويتشوش من إتيان الأسباب ، على غير ما يحب ويطلب. إلا الّذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فإنهم إذا أصابهم الخير والنعمة والمحاب ، شكروا الله تعالى ، وخافوا أن تكون نعم الله عليهم ، استدراجا وإمهالا. وإن أصابتهم مصيبة ، في أنفسهم ، وأموالهم ، وأولادهم ، صبروا ، ورجوا فضل ربهم ، فلم ييأسوا. ثمّ قال تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ) أي : الإنسان الذي يسأم من دعاء الخير ، وإن مسه الشر فيؤوس (رَحْمَةً مِنَّا) أي : بعد ذلك الشر الذي أصابه ، بأن عافاه الله من مرضه ، أو أغناه من فقره ، فإنه لا يشكر الله تعالى ، بل يبغي ، ويطغى ، ويقول : (هذا لِي) أي : أتاني ، لأني له أهل ، وأنا مستحق له (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) ، وهذا إنكار منه للبعث ، وكفر للنعمة والرحمة ، الّتي أذاقها الله له. (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) أي : على تقدير إتيان الساعة ، وأني سأرجع إلى ربي ، إن لي عنده للحسنى. فكما حصلت لي النعمة في الدنيا ، فإنها ستحصل لي في الآخرة. وهذا من أعظم الجرأة والقول على الله بلا علم ، فلهذا توعده بقوله : (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أي : شديد جدا. (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) بصحة ، أو رزق ، أو غيرهما (أَعْرَضَ) عن ربه وعن شكره (وَنَأى) ترفّع (بِجانِبِهِ) عجبا وتكبرا. (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي : المرض ، أو الفقر ، أو غيرهما (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) أي : كثير جدا ، لعدم صبره. فلا صبر في الضراء ، ولا شكر في الرخاء ، إلا من هداه الله ومنّ عليه.
[٥٢] أي (قُلْ) لهؤلاء المكذبين بالقرآن المسارعين إلى الكفران : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ) هذا القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ) من غير شك ولا ارتياب. (ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي : معاندة لله ولرسوله ، لأنه تبين لكم الحقّ والصواب ، ثمّ عدلتم عنه ، لا إلى حق ، بل إلى باطل وجهل. فإذا تكونون أضلّ الناس وأظلمهم.
[٥٣] فإن قلتم ، أو شككتم بصحته وحقيقته ، فسيقيم الله لكم ، ويريكم من آياته ، حيث قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) كالآيات الّتي في السماء وفي الأرض ، وما يحدثه الله تعالى من الحوادث العظيمة ، الدالة للمستبصر على الحقّ. (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) مما اشتملت عليه أبدانهم ، من بديع آيات الله ، وعجائب صنعته ، وباهر قدرته ، وفي حلول العقوبات والمثلات في المكذبين ، ونصر المؤمنين. (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ) من تلك الآيات ، بيانا لا يقبل الشك (أَنَّهُ الْحَقُ) وما اشتمل عليه حق. وقد فعل تعالى ، فإنه أرى عباده من الآيات ، ما به تبين أنه الحقّ ، ولكن الله هو الموفق للإيمان من يشاء ، والخاذل لمن يشاء. (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي : أولم يكفهم على أن القرآن حق ، ومن جاء به صادق ، بشهادة الله تعالى ، فإنه قد شهد له بالتصديق ، وهو أصدق الشاهدين ، وأيده ، ونصره نصرا متضمنا شهادته القولية ، عند من شك فيها.
[٥٤] (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) أي : في شك من البعث والقيامة ، وليس عندهم دار ، سوى الدار الدنيا ، فلذلك لم يعملوا للآخرة ، ولم يلتفتوا لها. (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) علما وقدرة وعزة.