سورة الشّورى
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٣] يخبر تعالى ، أنه أوحى هذا القرآن العظيم إلى النبي الكريم ، كما أوحى إلى من قبله من الأنبياء والمرسلين. ففيه بيان فضله ، بإنزال الكتب ، وإرسال الرسل ، سابقا ولا حقا ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم ليس ببدع من الرسل. وأن طريقته طريقة من قبله ، وأحواله تناسب أحوال من قبله من المرسلين. وما جاء به يشابه ما جاءوا به ، لأن الجميع حق وصدق ، وهو تنزيل من اتصف بالألوهية ، والعزة العظيمة ، والحكمة البالغة. وأن جميع العالم العلوي والسفلي ملكه وتحت تدبيره القدري والشرعي.
[٤ ـ ٥] وأنه (الْعَلِيُ) بذاته ، وقدره ، وقهره. (الْعَظِيمُ) الذي من عظمته (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ) على عظمها وكونها جمادا. (وَالْمَلائِكَةُ) الكرام المقربون ، خاضعون لعظمته ، مستكينون لعزته ، مذعنون بربوبيته. (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ويعظمونه وينزهونه عن كل نقص ، ويصفونه بكل كمال. (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) عمّا يصدر منهم ، مما لا يليق بعظمة ربهم وكبريائه. مع أنه تعالى (هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الذي لو لا مغفرته ورحمته ، لعاجل الخلق بالعقوبة المستأصلة. وفي وصفه تعالى بهذه الأوصاف ، بعد أن ذكر أنه أوحى إلى الرسل عموما ، وإلى محمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ خصوصا ، إشارة إلى أن هذا القرآن الكريم ، فيه الأدلة والبراهين ، والآيات الدالة على كمال الباري تعالى ، ووصفه بهذه الأسماء العظيمة الموجبة لامتلاء القلوب ، من معرفته ، ومحبته ، وتعظيمه ، وإجلاله ، وإكرامه ، وصرف جميع أنواع العبودية ، الظاهرة ، والباطنة ، له تعالى. وأن من أكبر الظلم ، وأفحش القول ، اتخاذ أنداد لله من دونه ، ليس بيدهم نفع ولا ضر. بل هم مخلوقون مفتقرون إلى الله في جميع أحوالهم ، ولهذا عقبه بقوله :
[٦] (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يتولونهم بالعبادة والطاعة ، كما يعبدون الله ويطيعونه ، فإنما اتخذوا الباطل ، وليسوا بأولياء على الحقيقة. (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) يحفظ عليهم أعمالهم ، فيجازيهم بخيرها وشرها. (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) فتسأل عن أعمالهم ، وإنّما أنت مبلغ أديت وظيفتك.
[٧] ثمّ ذكر منته على رسوله ، وعلى الناس ، حيث أنزل الله (قُرْآناً عَرَبِيًّا) بين الألفاظ والمعاني (لِتُنْذِرَ أُمَ) وهي مكة المكرمة (وَمَنْ حَوْلَها) من قرى العرب ثمّ يسري هذا الإنذار ، إلى سائر الخلق. (وَتُنْذِرَ) الناس (يَوْمَ الْجَمْعِ) الذي يجمع الله به الأولين والآخرين ، وتخبرهم أنه (لا رَيْبَ فِيهِ) وأن الخلق ينقسمون فيه فريقين (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ) وهم الّذين آمنوا بالله ، وصدقوا المرسلين ، (وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) وهم أصناف الكفرة المكذبين.
[٨] (وَ) مع هذا (لَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ) أي : جعل الناس كلهم (أُمَّةً واحِدَةً) على الهدى ، لأنه القادر ، الذي لا يمتنع عليه شيء ، ولكن أراد أن يدخل في رحمته من شاء ، من خواص خلقه. وأما الظالمون الّذين لا يصلحون لصالح ، فإنهم محرومون من الرحمة ، ف (ما لَهُمْ) من دون الله (مِنْ وَلِيٍ) يتولاهم ، فيحصل لهم المحبوب (وَلا نَصِيرٍ) يدفع