عنهم المكروه.
[٩] والّذين (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يتولونهم بعبادتهم إياهم ، فقد غلطوا أقبح غلط. فالله ، هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته ، والتقرب إليه بما أمكن من أنواع التقربات ، ويتولى عباده عموما بتدبيره ، ونفوذ القدر فيهم. ويتولى عباده المؤمنين خصوصا ، بإخراجهم من الظلمات إلى النور ، وتربيتهم بلطفه ، وإعانتهم في جميع أمورهم. (وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي : هو المتصرف بالإحياء والإماتة ، ونفوذ المشيئة والقدرة ، فهو الذي يستحق أن يعبد وحده ، لا شريك له.
[١٠] يقول تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ) من أصول دينكم وفروعه ، مما لا تتفقوا عليه (فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) يرد إلى كتابه ، وإلى سنّة رسوله ، فما حكما به ، فهو الحقّ ، وما خالف ذلك ، فباطل. (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) أي : فكما أنه تعالى ، الرب الخالق الرازق المدبر ، فهو تعالى الحاكم بين عباده ، بشرعه في جميع أمورهم. ومفهوم الآية الكريمة ، أن اتفاق الأمة حجة قاطعة ، لأن الله تعالى ، لم يأمرنا أن نرد إليه إلا ما اختلفنا فيه. فما اتفقنا عليه ، يكفي اتفاق الأمة عليه ، لأنها معصومة عن الخطأ. ولا بد أن يكون اتفاقها ، موافقا لما في كتاب الله وسنّة رسوله. وقوله : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي : اعتمدت بقلبي عليه ، في جلب المنافع ، ودفع المضار ، واثقا به تعالى في الإسعاف بذلك ، (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أي : أتوجه بقلبي وبدني إليه ، وإلى طاعته وعبادته. وهذان الأصلان ، كثيرا ما يذكرهما الله في كتابه ، لأنهما يحصل بمجموعهما ، كمال العبد ، ويفوته الكمال بفوتهما ، أو فوت أحدهما ، كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥) وقوله : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ).
[١١] (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : خالقهما بقدرته ومشيئته وحكمته. (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) لتسكنوا إليها ، وتنتشر منكم الذرية ، ويحصل لكم من النفع ، ما يحصل. (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أي : ومن جميع أصنافها نوعين ، ذكر ، وأنثى ، لتبقى ، وتنمو لمنافعكم الكثيرة ، ولهذا عداها باللام ، الدالة على التعليل : أي : جعل لكم من أنفسكم ، وجعل لكم من الأنعام أزواجا. (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أي : ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته ، لا في ذاته ولا في أسمائه ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، لأن أسماءه ، كلها حسنى ، وصفاته ، صفات كمال وعظمة ، وأفعاله تعالى ، أوجد بها المخلوقات العظيمة ، من غير مشارك. فليس كمثله شيء ، لانفراده ، وتوحده بالكمال ، من كل وجه. (وَهُوَ السَّمِيعُ) لجميع الأصوات ، باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات. (الْبَصِيرُ) يرى دبيب النملة السوداء ، في الليلة الظلماء ، على الصخرة الصماء. ويرى سريان القوت في أعضاء الحيوانات الصغيرة جدا ، وسريان الماء في الأغصان الدقيقة. وهذه الآية ونحوها ، دليل لمذاهب أهل السنة والجماعة ، من إثبات الصفات ، ونفي مماثلة المخلوقات. وفيها رد ، على المشبهة في قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وعلى المعطلة في قوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
[١٢] وقوله : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : له ملك السموات والأرض وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق ، والنعم الظاهرة والباطنة. فكل الخلق مفتقرون إلى الله ، في جلب مصالحهم ، ودفع المضار عنهم ، في كل الأحوال ، ليس بيد أحد من الأمر شيء. والله تعالى هو المعطي المانع ، الضار