إلّا حسنا وبهاء ، ولا يزداد أهلها ، إلّا اشتياقا إلى لذاتها وودادا. (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) فيها أي : في الجنات (عِنْدَ رَبِّهِمْ). فمهما أرادوا ، فهو حاصل ، ومهما طلبوا حصل ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) وهل فضل أكبر من الفوز برضا الله تعالى ، والتنعم بقربه في دار كرامته؟
[٢٣] (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : هذه البشارة العظيمة ، التي هي أكبر البشائر على الإطلاق ، بشّر بها الرحيم الرحمن ، على يد أفضل خلقه لأهل الإيمان والعمل الصالح ، فهي أجلّ الغايات ، والوسيلة الموصلة إليها أفضل الوسائل. (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي : على تبليغي إياكم هذا القرآن ودعوتكم إلى أحكامه. (أَجْراً) فلست أريد أخذ أموالكم ، ولا التولي عليكم والترؤس ، ولا غير ذلك من الأغراض (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). يحتمل أن المراد : لا أسألكم عليه أجرا واحدا هو لكم ، وعائد نفعه إليكم ، وهو : أن تودوني وتحبوني في القرابة ، أي لأجل القرابة. ويكون على هذا المودة الزائدة على مودة الإيمان ، فإن مودة الإيمان بالرسول ، وتقديم محبته على جميع المحاب ، بعد محبة الله ، فرض على كل مسلم. وهؤلاء طلب منهم زيادة على ذلك ، أن يحبوه ، لأجل القرابة ، لأنه صلىاللهعليهوسلم ، قد باشر بدعوته أقرب الناس إليه. حتى إنه قيل : إنه ليس في بطون قريش أحد ، إلّا ولرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيه قرابة. ويحتمل أن المراد إلّا مودة الله تعالى ، الصادقة ، وهي التي يصحبها التقرب إلى الله ، والتوسل بطاعته ، الدالة على صحتها وصدقها ، ولهذا قال : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أي : في التقرب إلى الله. وعلى كلا القولين ، فهذا الاستثناء ، دليل على أنه لا يسألكم عليه أجرا بالكلية ، إلا أن يكون شيئا يعود نفعه إليهم. فهذا ليس من الأجر في شيء ، بل هو من الأجر منه لهم صلىاللهعليهوسلم ، كقوله تعالى : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (٨) وقولهم : «ما لفلان عندك ذنب ، إلّا أنه محسن إليك». (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) من صلاة ، أو صوم ، أو حج ، أو إحسان إلى الخلق (نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) بأن يشرح الله صدره ، وييسر أمره ، ويكون سببا للتوفيق لعمل آخر ، ويزداد بها عمل المؤمن ، ويرتفع عند الله ، وعند خلقه ، ويحصل له الثواب ، العاجل والآجل. (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) يغفر الذنوب العظيمة ولو بلغت ما بلغت ، عند التوبة منها ، ويشكر على العمل القليل بالأجر الكثير. فبمغفرته يغفر الذنوب ، ويستر العيوب ، وبشكره يتقبل الحسنات ، ويضاعفها ، أضعافا كثيرة.
[٢٤] يعني أم يقول المكذبون للرسول صلىاللهعليهوسلم ، جرأة منهم وكذبا : (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فرموك بأشنع الأمور وأقبحها ، وهو : الافتراء على الله ، بادعاء النبوة والنسبة إلى الله ما هو بريء منه ، وهم يعلمون صدقك وأمانتك. فكيف يتجرؤون على هذا الكذب الصراح؟ بل تجرؤوا بذلك على الله تعالى. فإنه قدح في الله ، حيث مكّنك من هذه الدعوة العظيمة ، المتضمنة ـ على موجب زعمهم ـ أكبر الفساد في الأرض ، حيث مكّنه الله ، من التصريح بالدعوة ، ثمّ بنسبتها إليه ، ثمّ يؤيده بالمعجزات الظاهرات ، والأدلة القاهرات ، والنصر المبين ، والاستيلاء على من خالفه. وهو تعالى قادر على حسم هذه الدعوة من أصلها ومادتها ، وهو أن يختم على قلب الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولا يدخل إليه خير. وإذا ختم على قلبه ، انحسم الأمر كله ، وانقطع. فهذا دليل قاطع على صحة ما جاء به الرسول ، وأقوى شهادة من الله له على ما قال ، ولا يوجد شهادة أعظم منها ولا أكبر. ولهذا ، من حكمته ورحمته ، وسنته الجارية ، أنه يمحو الباطل ويزيله ، وإن كان له صولة في بعض الأوقات ، فإن عاقبته الاضمحلال. (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) الكونية ، التي لا تبدل ولا تغير ، ووعده الصادق ، وكلماته الدينية التي تحقق ما شرعه من الحقّ ، وتثبته في القلوب ، وتبصر أولي الألباب. حتى إن من جملة إحقاقه تعالى الحقّ ، أن يقيّض له الباطل ليقاومه. فإذا قاومه ، صال عليه الحقّ ببراهينه وبيناته ، فظهر من نوره وهداه ، ما به يضمحل الباطل ، وينقمع ، ويتبين بطلانه لكل أحد ، ويظهر الحقّ كل الظهور لكل أحد. (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : بما فيها ، وما اتصفت به ، من خير وشر ، وما أكنته ولم تبده.
[٢٥] هذا بيان لكمال كرم الله تعالى ، وسعة جوده ، وتمام لطفه ، إذ (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ) الصادرة (عَنْ عِبادِهِ) حين