مصالح ومنافع لعباده. (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ) أي : جمع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة (إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ). فقدرته ومشيئته ، صالحان لذلك ، ويتوقف وقوعه على وجود الخبر الصادق. وقد علم أنه قد تواترت أخبار المرسلين وكتبهم ، بوقوعه.
[٣٠] يخبر تعالى ، أنه ما أصاب العباد من مصيبة ، في أبدانهم ، وأموالهم ، وأولادهم ، وفيما يحبون ، ويكون عزيزا عليهم ، إلّا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات ، وأن ما يعفو الله عنه أكثر ، فإن الله لا يظلم العباد ، ولكن أنفسهم يظلمون (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ). وليس إهمالا منه تعالى تأخير العقوبات ، ولا عجزا.
[٣١] (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي : معجزين قدرة الله عليكم ، بل أنتم عاجزون في الأرض ، ليس عندكم امتناع عمّا ينفذه الله فيكم. (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يتولاكم ، فيحصل لكم المنافع (وَلا نَصِيرٍ) يدفع عنكم المضار.
[٣٢] أي : ومن أدلة رحمته ، وعنايته بعباده (الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ) من السفن ، والمراكب البخارية ، والشراعية ، التي هي من عظمها (كَالْأَعْلامِ) وهي الجبال الكبار ، التي سخر لها البحر العجاج ، وحفظها من التطام الأمواج ، وجعلها تحملكم ، وتحمل أمتعتكم الكثيرة ، إلى البلدان والأقطار البعيدة ، وسخر لها من الأسباب ، ما كان معونة على ذلك.
[٣٣ ـ ٣٤] ثمّ نبه على هذه الأسباب بقوله : (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ) التي جعلها الله سببا لسيرها. (فَيَظْلَلْنَ) أي : الجواري «أي : السفن على اختلاف أنواعها» (رَواكِدَ) على ظهر البحر ، لا تتقدم ولا تتأخر ولا ينتقض هذا ، بالمراكب البخارية ، فإن من شرط مشيها ، وجود الريح. وإن شاء الله تعالى ، أوبق الجواري ، بما كسب أهلها ، أي : أغرقها في البحر ، وأتلفها ، ولكنه يحلم ، ويعفو عن كثير. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي : كثير الصبر على ما تكرهه نفسه ويشق عليها ، فيكرهها عليه ، من مشقة طاعة ، أو ردع داع إلى معصية ، أو ردع نفسه عند المصائب عن التسخط ، (شَكُورٍ). في الرخاء وعند النعم ، يعترف بنعمة ربه ويخضع له ، ويصرفها في مرضاته. فهذا الذي ينتفع بآيات الله. وأما الذي لا صبر عنده ، ولا شكر له عند نعم الله ، فإنه معرض أو معاند ، لا ينتفع بالآيات.
[٣٥] ثمّ قال تعالى : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) ليبطلوها بباطلهم. (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي : لا ينقذهم منقذ مما حل بهم من العقوبة.
[٣٦] هذا تزهيد في الدنيا ، وترغيب في الآخرة ، وذكر الأعمال الموصلة إليها فقال : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) من ملك ورياسة ، وأموال ، وبنين ، وصحة ، وعافية بدنية. (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) لذة منغصة منقطعة. (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب الجزيل ، والأجر الجليل ، والنعيم المقيم (خَيْرٌ) من لذات الدنيا ، خيرية لا نسبة بينهما (وَأَبْقى) لأنه نعيم لا مغص فيه ولا كدر ، ولا انتقال. ثمّ ذكر لمن هذا الثواب فقال : (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أي : جمعوا بين الإيمان الصحيح ، المستلزم لأعمال الإيمان الظاهرة والباطنة وبين التوكل ، الذي هو الآلة لكل عمل. فكل عمل لا يصحبه التوكل ، فغير تام ، وهو «أي : التوكل» الاعتماد بالقلب على الله. في جلب ما يحبه العبد ، ودفع ما يكرهه