الله لعباده ، وأخبرهم أنه موصل إليه وإلى دار كرامته. (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) أي : ترجع جميع أمور الخير والشر ، فيجازي كلّا بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شراّ فشر.
سورة الزخرف
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] هذا قسم بالقرآن ، فأقسم بالكتاب المبين ، وأطلق ، ولم يذكر المتعلق ، ليدل على أنه مبين لكل ما يحتاج إليه العباد من أمور الدنيا والدين والآخرة.
[٣ ـ ٥] (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) هذا هو المقسوم عليه ، أنه جعل بأفصح اللغات وأوضحها ، وأبينها ، وهذا من بيانه. وذكر الحكمة في ذلك فقال : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ألفاظه ومعانيه لتيسرها وقربها من الأذهان. (وَإِنَّهُ) أي : هذا الكتاب (فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا) أي : في الملأ الأعلى في أعلى الرتب وأفضلها (لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) أي : لعلي في قدره ، وشرفه ، ومحله ، حكيم فيما يشتمل عليه ، من الأوامر ، والنواهي ، والأخبار ، فليس فيه حكم مخالف للحكمة ، والعدل ، والميزان. ثمّ أخبر تعالى أن حكمته وفضله ، تقتضي أن لا يترك عباده هملا ، لا يرسل إليهم رسولا ، ولا ينزل عليهم كتابا ، ولو كانوا مسرفين ظالمين فقال : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) أي : أفنعرض عنكم ، ونترك إنزال الذكر إليكم ونضرب عنكم صفحا ، لأجل إعراضكم ، وعدم انقيادكم؟ بل ننزل عليكم الكتاب ، ونوضح لكم فيه كل شيء. فإن آمنتم به واهتديتم ، فهو من توفيقكم ، وإلّا ، فقد قامت عليكم الحجة وكنتم على بيّنة من أمركم.
[٦] يقول تعالى : إن هذه سنتنا في الخلق ، أن لا نتركهم هملا. (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) (٦) يأمرونهم بعبادة الله وحده لا شريك له. ولم يزل التكذيب موجودا في الأمم.
[٧] (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٧) جحدا لما جاء به ، وتكبرا على الحقّ.
[٨] (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ) أي : من هؤلاء (بَطْشاً) أي : قوة ، وأفعالا وآثارا في الأرض. (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) أي : مضت أمثالهم ، وأخبارهم ، وبينا لكم منها ، ما فيه عبرة ومزدجر عن التكذيب.
[٩] يخبر تعالى عن المشركين ، أنك (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) (٩) أي : الله وحده لا شريك له ، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات ، بظواهر الأمور ، وبواطنها ، وأوائلها ، وأواخرها. فإذا كانوا مقرين بذلك ، فكيف يجعلون له الولد ، والصاحبة ، والشريك؟ وكيف يشركون به ، من لا يخلق ، ولا يرزق ، ولا يميت ، ولا يحيي؟.
[١٠] ثمّ ذكر أيضا ، من الأدلة الدالة على كمال نعمته واقتداره ، بما خلقه لعباده من الأرض ، الّتي مهدها ، وجعلها قرارا للعباد ، يتمكنون فيها من كل ما يريدون. (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) أي : جعل منافذ ، بين سلاسل الجبال المتصلة ، تنفذون منها إلى ما وراءها من الأقطار. (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)