بمقتضاها. (وَكانُوا مُسْلِمِينَ) لله منقادين في جميع أحوالهم. فجمعوا بين الاتصاف بعمل الظاهر والباطن.
[٧٠] (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) الّتي هي دار القرار (أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) أي : من كان على مثل عملكم ، من كل مقارن لكم ، من زوجة ، وولد ، وصاحب ، وغيرهم. (تُحْبَرُونَ) أي : تنعمون وتكرمون ، ويأتيكم من فضل ربكم من الخيرات والسرور ، والأفراح ، واللذات ، ما لا تعبّر الألسن عن وصفه.
[٧١] (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ) أي : تدور عليهم خدامهم ، من الولدان المخلدين بطعامهم ، بأحسن الأواني وأفخرها ، وهي : صحاف الذهب وشرابهم ، بألطف الأواني ، وهي : الأكواب ، الّتي لا عرى لها ، وهي من أصفى الأواني ، من فضة أعظم من صفاء القوارير. (وَفِيها) أي : الجنة (ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) وهذا اللفظ جامع ، يأتي على كل نعيم وفرح ، وقرة عين ، وسرور قلب. فكل ما تشتهيه النفوس ، من مطاعم ، ومشارب ، وملابس ، ومناكح وما تلذه العيون ، من مناظر حسنة ، وأشجار محدقة ، ونعم مؤنقة ، ومبان مزخرفة ، فإنه حاصل فيها ، معد لأهلها ، على أكمل الوجوه وأفضلها ، كما قال تعالى : (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) (٥٧). (وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) وهذا هو تمام نعيم أهل الجنة ، وهو : الخلد الدائم فيها ، الذي يتضمن دوام نعيمها وزيادته ، وعدم انقطاعه.
[٧٢] (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ) الموصوفة بأكمل الصفات هي (الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : أورثكم الله إياها بأعمالكم ، وجعلها من فضله ، جزاء لها ، وأودع فيها من رحمته ما أودع. (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ) كما في الآية الأخرى (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) (٥٢). (مِنْها تَأْكُلُونَ) أي : مما تتخيرون من تلك الفواكه الشهية ، والثمار اللذيذة تأكلون.
[٧٤] ولما ذكر نعيم الجنة ، عقبة بذكر عذاب جهنم فقال : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) إلى (كارِهُونَ). (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) الّذين أجرموا بكفرهم وتكذيبهم (فِي عَذابِ جَهَنَّمَ) أي : منغمرون فيه ، محيط بهم العذاب من كل جانب. (خالِدُونَ) فيه ، لا يخرجون منه أبدا.
[٧٥] و (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) العذاب ساعة ، لا بإزالته ، ولا بتهوين عذابه. (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) أي : آيسون من كل خير ، غير راجين للفرج ، وذلك أنهم ينادون ربهم فيقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١٠٨) وهذا العذاب العظيم ، بما قدمت أيديهم ، وبما ظلموا به أنفسهم.
[٧٦] (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) (٧٦) فالله لم يظلمهم ولم يعاقبهم بلا ذنب ولا جرم.
[٧٧] (وَنادَوْا) وهم في النار ، لعلهم يحصل لهم استراحة. (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) أي : ليمتنا فنستريح ، فإننا في غمّ شديد ، وعذاب غليظ ، لا صبر لنا عليه ولا جلد. (قالَ) لهم مالك خازن النار ـ حين طلبوا منه أن يدعو الله لهم أن يقضي عليهم ـ : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) أي : مقيمون فيها ، لا تخرجون منها أبدا. فلم يحصل لهم ما قصدوه ، بل أجابهم بنقيض قصدهم ، وزادهم غما إلى غمهم.
[٧٨] ثمّ وبخهم بما فعلوا فقال : (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) الذي يوجب عليكم أن تتبعوه. فلو تبعتموه ، لفزتم وسعدتم. (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) فلذلك شقيتم شقاوة لا سعادة بعدها.
[٧٩] يقول تعالى : (أَمْ أَبْرَمُوا) أي : أبرم المكذبون بالحق المعاندون له (أَمْراً) أي : كادوا كيدا ، ومكروا للحق ولمن جاء بالحق ، ليدحضوه ، بما موهوا من الباطل المزخرف المزوق. (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) أي : محكمون أمرا ومدبرون تدبيرا ، يعلو تدبيرهم ، وينقضه ويبطله. وهو ما قيّضه الله من الأسباب والأدلة ، لإحقاق الحقّ ، وإبطال الباطل ، كما قال تعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ).
[٨٠] (أَمْ يَحْسَبُونَ) بجهلهم وظلمهم (أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) الذي لم يتكلموا به ، بل هو سر في قلوبهم (وَنَجْواهُمْ) أي : كلامهم الخفي الذي يتناجون به ، أي : فلذلك أقدموا على المعاصي ، وظنوا أنها لا تبعة لها ولا مجازاة على ما خفي منها. فرد الله عليهم بقوله : (بَلى) إنّا نعلم سرهم ونجواهم (وَرُسُلُنا) الملائكة الكرم. (لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) كل ما عملوه ، سيحفظ ذلك عليهم ، حتى يردوا