بحكمه العدل. ومن تمام ملكه ، أنه لا يملك أحد من خلقه من الأمر شيئا ، ولا يقدم على الشفاعة عنده أحد ، إلّا بإذنه.
[٨٦] (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ) أي : كل من دعي من دون الله ، من الأنبياء والملائكة وغيرهم ، لا يملكون الشفاعة ، ولا يشفعون إلّا بإذن الله ، ولا يشفعون إلّا لمن ارتضى ، ولهذا قال : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) أي : نطق بلسانه ، مقرا بقلبه ، عالما بما يشهد به ، ويشترط أن تكون شهادته بالحق ، وهي الشهادة لله تعالى بالوحدانية ، ولرسله بالنبوة والرسالة ، وصحة ما جاءوا به ، من أصول الدين ، وفروعه ، وحقائقه وشرائعه. فهؤلاء الذين تنفع فيهم شفاعة الشافعين ، وهؤلاء الناجون من عقاب الله ، الحائزون لثوابه.
[٨٧] ثم قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) أي : ولئن سألت المشركين عن توحيد الربوبية ، ومن هو الخالق ، لأقروا أنه الله وحده لا شريك له. (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي : فكيف يصرفون عن عبادة الله ، والإخلاص له وحده؟ فإقرارهم بتوحيد الربوبية ، يلزمهم به الإقرار بتوحيد الألوهية ، وهو من أكبر الأدلة على بطلان الشرك.
[٨٨] (وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) (٨٨) هذا معطوف على قوله : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : وعنده علم قيله ، أي : الرسول صلىاللهعليهوسلم ، شاكيا لربه تكذيب قومه ، متحزنا على ذلك ، متحسرا على عدم إيمانهم. فالله تعالى عالم بهذه الحال ، قادر على معاجلتهم بالعقوبة. ولكنه تعالى ، حليم يمهل العباد ، ويستأني بهم ، لعلهم يتوبون ، ويرجعون ولهذا قال :
[٨٩] (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) أي : اصفح عنهم ، ما يأتيك من أذيتهم القولية والفعلية ، واعف عنهم ، ولا يبدر منك لهم إلّا السّلام الذي يقابل به أولو الألباب والبصائر الجاهلين. كما قال تعالى عن عباده الصالحين : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ) أي : خطابا بمقتضى جهلهم (قالُوا سَلاماً). فامتثل صلىاللهعليهوسلم ، لأمر ربه ، وتلقى ما يصدر إليه من قومه وغيرهم من الأذى ، بالعفو والصفح ، ولم يقابلهم ، عليهالسلام ، إلّا بالإحسان إليهم والخطاب الجميل. فصلوات الله وسلامه ، على من خصه الله بالخلق العظيم ، الذي فضّل به أهل الأرض والسماء ، وارتفع به أعلى من كواكب الجوزاء. وقوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) أي : غبّ ذنوبهم ، وعاقبة جرمهم.
تفسير سورة الدخان
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٤] هذا قسم بالقرآن على القرآن ، فأقسم بالكتاب المبين لكل ما يحتاج إلى بيانه أنه أنزله (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ، أي : كثيرة الخير والبركة ، وهي ليلة القدر ، الّتي هي خير من ألف شهر ، فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام ،