سقطت من الثلاثين شهرا ، بقي ستة أشهر ، مدة للحمل. (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) ، أي : نهاية قوته وشبابه ، وكمال عقله ، (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ، أي : ألهمني ووفقني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) ، أي : نعم الدين ، ونعم الدنيا. وشكره ، بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها ، ومقابلته على منّته ، بالاعتراف والعجز عن الشكر ، والاجتهاد في الثناء بها على الله ، والنعم على الوالدين ، نعم على أولادهم وذريتهم ، أنهم لا بد أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها ، خصوصا نعم الدين ، فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل ، من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم. (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) بأن يكون جامعا لما يصلحه ، سالما مما يفسده ، فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله ، ويثيب عليه. (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) لما دعا لنفسه بالصلاح ، دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم ، وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم ، لقوله : (وَأَصْلِحْ لِي). (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) من الذنوب والمعاصي ، ورجعت إلى طاعتك (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
[١٦] (أُولئِكَ) الّذين ذكرت أوصافهم (الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) وهو الطاعات ، لأنهم يعملون أيضا غيرها. (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي) في جملة (أَصْحابِ الْجَنَّةِ) ، فحصل لهم الخير والمحبوب ، وزال عنهم الشر والمكروه. (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) ، أي : هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد من أصدق القائلين ، الذي لا يخلف الميعاد.
[١٧] لما ذكر تعالى حال الصالح البار لوالديه ، ذكر حال العاق ، وأنها شر الحالات ، فقال : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) إذ دعواه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر ، وخوفاه الجزاء. وهذا أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما ، أن يدعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية ، وفلاحه السرمدي ، فقابلهما بأقبح مقابلة ، فقال : (أُفٍّ لَكُما) ، أي : تبّا لكما ولما جئتما به. ثمّ ذكر استبعاده وإنكاره لذلك فقال : (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) من قبري إلى يوم القيامة (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) على التكذيب ، وسلفوا على الكفر ، وهم الأئمة المقتدى بهم لكل كفور ، وجهول ، ومعاند؟ (وَهُما) ، أي : والده (يَسْتَغِيثانِ اللهَ) عليه ويقولان له : (وَيْلَكَ آمِنْ) ، أي : يبذلان غاية جهدهما ، ويسعيان في هدايته ، أشد السعي ، حتى إنهما ـ من حرصهما عليه ـ يستغيثان الله له ، استغاثة الغريق ويسألانه ، سؤال الشريق ، ويعذلان ولدهما ، ويتوجعان له ، ويبينان له الحقّ ، فيقولان : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) ، ثمّ يقيمان عليه من الأدلة ما أمكنهما. وولدهما لا يزداد إلا عتوا ونفورا ، واستكبارا عن الحقّ ، وقدحا فيه ، (فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، أي : إلا منقول من كتب المتقدمين ، ليس من عند الله ، ولا أوحاه الله إلى رسوله. وكل أحد يعلم أن محمدا صلىاللهعليهوسلم أمّيّ لا يكتب ولا يقرأ ، ولم يتعلم من أحد. فمن أين يتعلّمه؟ وأنّى للخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؟
[١٨] (أُولئِكَ الَّذِينَ) بهذه الحالة الذميمة (حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) ، أي : حقت عليهم كلمة العذاب (فِي) جملة (أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) على الكفر والتكذيب ، فسيدخل هؤلاء في غمارهم ، ويغرقون في تيارهم.