سورة محمد
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] هذه الآيات مشتملات على ذكر ثواب المؤمنين وعقاب العاصين ، والسبب في ذلك دعوة الخلق إلى الاعتبار بذلك ، فقال : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وهؤلاء رؤساء الكفر ، وأئمة الضلال الّذين جمعوا بين الكفر بالله وآياته ، والصد لأنفسهم وغيرهم عن سبيل الله ، الّتي هي الإيمان بما دعت إليه الرسل واتباعه. فهؤلاء (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ، أي : أبطلها وأشقاهم بسببها ، وهذا يشمل أعمالهم الّتي عملوها ليكيدوا بها الحقّ ، وأولياء الله. إن الله جعل كيدهم في نحورهم ، فلم يدركوا مما قصدوا شيئا ، وأعمالهم الّتي يرجون أن يثابوا عليها ، إن الله سيحبطها عليهم ، والسبب في ذلك أنهم اتبعوا الباطل ، وهو : كل غاية لا يراد بها وجه الله من عبادة الأصنام والأوثان. والأعمال الّتي في نصر الباطل لما كانت باطلة ، كانت الأعمال لأجلها باطلة.
[٢] (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بما أنزل الله على رسله عموما ، وعلى محمد صلىاللهعليهوسلم خصوصا ، (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بأن قاموا بما عليهم من حقوق الله ، وحقوق العباد الواجبة والمستحبة. (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) صغارها وكبارها ، وإذا كفّرت سيئاتهم ، نجوا من عذاب الدنيا والآخرة. (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) ، أي : أصلح دينهم ودنياهم ، وقلوبهم وأعمالهم ، وأصلح ثوابهم ، بتنميته وتزكيته ، وأصلح جميع أحوالهم ، والسبب في ذلك أنهم :
[٣] (اتَّبَعُوا الْحَقَ) الذي هو الصدق واليقين ، وما اشتمل عليه هذا القرآن العظيم الصادر (مِنْ رَبِّهِمْ) الذي رباهم بنعمته ، ودبرهم بلطفه فرباهم تعالى بالحق ، فاتبعوه ، فصلحت أمورهم. فلما كانت الغاية المقصودة لهم ، متعلقة بالحق المنسوب إلى الله الباقي ، الحقّ المبين ، كانت الوسيلة صالحة باقية ، باقيا ثوابها. (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) حيث بيّن لهم تعالى أهل الخير وأهل الشر ، وذكر لكل منهم صفة يعرفون بها ويتميزون (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).
[٤] يقول تعالى ـ مرشدا عباده إلى ما فيه صلاحهم ، ونصرهم على أعدائهم ـ : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فى الحرب والقتال ، فاصدقوهم القتال ، واضربوا منهم الأعناق. (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) وكسرتم شوكتهم ، ورأيتم الأسر أولى وأصلح ، (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) ، أي : الرباط ، وهذا احتياط لأسرهم لئلا يهربوا ، فإذا اشتد منهم الوثاق اطمأن المسلمون من حربهم ، ومن شرهم. فإذا كانوا تحت أسركم ، فأنتم بالخيار بين المنّ عليهم ، وإطلاقهم بلا مال. (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) بأن لا تطلقوهم حتى يشتروا أنفسهم ، أو يشتريهم أصحابهم بمال ، أو بأسير مسلم عندهم. وهذا الأمر مستمر (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) ، أي : حتى لا يبقى حرب. وتبقون في المسألة والمهادنة ، فإن لكل مقام مقالا ، ولكل حال حكما ، فالحال المتقدمة ، إنّما هي إذا كان قتال وحرب. فإذا كان في بعض الأوقات ، لا حرب فيه لسبب من الأسباب ، فلا قتل ولا أسر. (ذلِكَ) الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين ، ومداولة الأيام بينهم ، وانتصار بعضهم على بعض (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) ، فإنه تعالى على كل شيء قدير ، وقادر على أن لا ينتصر