الكفار في موضع واحد أبدا ، حتى يبيد المسلمون خضراءهم. (وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) ليقوم سوق الجهاد ، وتتبين بذلك أحوال العباد ، الصادق من الكاذب ، وليؤمن من آمن إيمانا صحيحا ، عن تبصرة ، لا إيمانا مبنيا على متابعة أهل الغلبة ، فإنه إيمان ضعيف جدا ، لا يستمر لصاحبه عند المحن والبلايا. (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) لهم ثواب جزيل ، وأجر جميل ، وهم الّذين قاتلوا من أمروا بقتالهم ، لتكون كلمة الله هي العليا. (فَلَنْ يُضِلَ) الله (أَعْمالَهُمْ) ، أي : لن يحبطها ويبطلها ، بل يتقبلها وينميها لهم ، ويظهر من أعمالهم نتائجها ، في الدنيا والآخرة.
[٥] (سَيَهْدِيهِمْ) إلى سلوك الطريق الموصلة إلى الجنة ، (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) ، أي : حالهم وأمورهم ، وثوابهم يكون صالحا كاملا لا نكد فيه ، ولا تنغيص ، بوجه من الوجوه.
[٦] (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) (٦) ، أي : عرفها أولا ، بأن شوّقهم إليها ، ونعتها لهم ، وذكر لهم الأعمال الموصلة إليه ، الّتي من جملتها الشهادة في سبيل الله ، ووفقهم للقيام بما أمرهم به ورغّبهم فيه ، ثمّ إذا دخلوا الجنة ، عرفهم منازلهم ، وما احتوت عليه من النعيم المقيم ، والعيش السليم.
[٧] هذا أمر منه تعالى للمؤمنين ، أن ينصروا الله بالقيام بدينه ، والدعوة إليه ، وجهاد أعدائه ، وأن يقصدوا بذلك وجه الله ، فإنّهم إذا فعلوا ذلك ، نصرهم وثبّت أقدامهم ، أي : يربط على قلوبهم بالصبر ، والطمأنينة والثبات ، ويصبر أجسادهم على ذلك ، ويعينهم على أعدائهم. فهذا وعد من كريم صادق الوعد ، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه ، وييسر له أسباب النصر ، من الثبات وغيره.
[٨] وأما الّذين كفروا بربهم ، ونصروا الباطل ، (فَتَعْساً لَهُمْ) فإنهم في تعس ، أي : انتكاس من أمرهم وخذلان. (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ، أي : أبطل أعمالهم الّتي يكيدون بها الحقّ ، فرجع كيدهم في نحورهم ، وبطلت أعمالهم الّتي يزعمون أنهم يريدون بها وجه الله.
[٩] ذلك الإضلال والتعس ، للذين كفروا ، بسبب أنهم (كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن الذي أنزله ، صلاحا للعباد ، وفلاحا لهم ، فلم يقبلوه ، بل أبغضوه وكرهوه (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ).
[١٠] أي : أفلا يسير هؤلاء المكذبون بالرسول صلىاللهعليهوسلم ، (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، فإنهم لا يجدون عاقبتهم إلا شر العواقب. فإنهم لا يلتفتون يمنة ولا يسرة إلا وجدوا من كان قبلهم قد بادوا وهلكوا ، واستأصلهم التكذيب والكفر ، فخمدوا ، ودمّر الله عليهم أموالهم وديارهم ، بل دمر أعمالهم ومكرهم. وللكافرين في كل زمان ومكان ، أمثال هذه العواقب الوخيمة ، والعقوبات الذميمة. وأما المؤمنون ، فإن الله تعالى ينجيهم من العذاب ، ويجزل لهم كثير الثواب.
[١١] (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) فتولاهم برحمته ، فأخرجهم من الظلمات إلى النور ، وتولى جزاءهم ، ونصرهم. (وَأَنَّ الْكافِرِينَ) بالله تعالى ، حيث قطعوا عنهم ولاية الله ، وسدوا على أنفسهم رحمته (لا مَوْلى لَهُمْ) يهديهم إلى سبل السّلام ، ولا ينجيهم من عذاب الله وعقابه. بل أولياؤهم الطاغوت ، يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
[١٢] لما ذكر تعالى أنه ولي المؤمنين ، ذكر ما يفعل بهم في الآخرة ، من دخول الجنات ، الّتي تجري من تحتها