له المؤمنون ما يحبون لأنفسهم ، ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم ، آمرا بالأخوة الإيمانية : «لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه» متفق عليه. وفيهما عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «المؤمن للمؤمن ، كالبنيان يشد بعضهم بعضا» وشبك صلىاللهعليهوسلم بين أصابعه. ولقد أمر الله ورسوله بالقيام بحقوق المؤمنين بعضهم لبعض ، ومما يحصل به التآلف والتوادد ، والتواصل بينهم ، كل هذا تأييد لحقوق بعضهم على بعض ، فمن ذلك ، إذا وقع الاقتتال بينهم ، الموجب لتفرق القلوب وتباغضها وتدابرها ، فليصلح المؤمنون بين إخوانهم ، وليسعوا فيما به يزول شنآنهم. ثمّ أمر بالتقوى عموما ، ورتب على القيام بالتقوى وبحقوق المؤمنين ، الرحمة ، فقال : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ، وإذا حصلت الرحمة ، حصل خير الدنيا والآخرة ، ودل ذلك على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين ، من أعظم حواجب الرحمة. وفي هاتين الآيتين من الفوائد ، غير ما تقدم : أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية ، ولهذا كان من أكبر الكبائر ، وأن الإيمان والأخوة الإيمانية لا يزولان مع وجود الاقتتال كغيره من الذنوب الكبائر ، الّتي دون الشرك ، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة. وعلى وجوب الإصلاح بين المؤمنين بالعدل ، وعلى وجوب قتال البغاة ، حتى يرجعوا إلى أمر الله ، وعلى أنهم لو رجعوا لغير أمر الله ، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه والتزامه ، أنه لا يجوز ذلك ، وأن أموالهم معصومة ، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة ، دون أموالهم.
[١١] وهذا أيضا من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض ، أن (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) بكل كلام ، وقول ، وفعل دال على تحقير الأخ المسلم ، فإن ذلك حرام ، لا يجوز ، وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه. وعسى أن يكون المسخور به خيرا من الساخر ، وهو الغالب والواقع ، فإن السخرية لا تقع إلا من قلب ممتلىء من مساوئ الأخلاق ، متحلّ بكل خلق ذميم ، متخلّ عن كلّ خلق كريم ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «بحسب امرئ من الشر ، أن يحقر أخاه المسلم». ثمّ قال : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) ، أي : لا يعب بعضكم على بعض ، واللمز بالقول ، والهمز بالفعل ، وكلاهما منهيّ عنه حرام ، متوعد عليه بالنار ، كما قال تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (١) الآية. وسمى الأخ المسلم نفسا لأخيه ، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هذا حالهم كالجسد الواحد ، ولأنه إذا همز غيره ، أوجب للغير أن يهمزه ، فيكون هو المتسبب لذلك. (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) ، أي : لا يعير أحدكم أخاه ، ويلقبه بلقب يكره أن يقال فيه ، وهذا هو التنابز ، وأما الألقاب غير المذمومة ، فلا تدخل في هذا. (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) ، أي : بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه ، وما يقتضيه بالإعراض عن أوامره ونواهيه ، باسم الفسوق والعصيان ، الذي هو التنابز بالألقاب. (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، وهذا هو الواجب على العبد ، أن يتوب إلى الله تعالى ، ويخرج من حق أخيه المسلم ، باستحلاله والاستغفار ، والمدح مقابلة على ذمه. (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فالناس قسمان : ظالم لنفسه غير تائب ، وتائب مفلح ، ولا ثمّ غيرهما.
[١٢] نهى الله عزوجل عن كثير من الظن السيّء بالمؤمنين ، حيث قال : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ، وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة ، وكظن السوء ، الذي يقترن به كثير من الأقوال ، والأفعال المحرمة ، فإن بقاء ظن السوء بالقلب ، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك ، بل لا يزال به ، حتى يقول ما لا ينبغي ، ويفعل ما لا ينبغي. وفي ذلك أيضا إساءة الظن بالمسلم ، وبغضه ، وعداوته المأمور بخلافها منه. (وَلا تَجَسَّسُوا) ، أي : لا تفتشوا عن عورات المسلمين ، ولا تتبعوها ، ودعوا المسلم على حاله ، واستعملوا التغافل عن زلاته ، الّتي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي. (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) والغيبة كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه». ثمّ ذكر مثلا منفرا عن الغيبة ، فقال : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) ، شبه أكل لحمه ميتا ، المكروه للنفوس غاية الكراهة ، باغتيابه ، فكما أنكم تكرهون أكل لحمه ، خصوصا إذا كان ميتا ، فاقد الروح ، فكذلك ، فلتكرهوا