غيبته وأكل لحمه حيّا. (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) ، والتواب : الذي يأذن بتوبة عبده ، فيوفقه لها ، ثمّ يتوب عليه ، بقبول توبته ، رحيم بعباده ، حيث دعاهم إلى ما ينفعهم ، وقبل منهم التوبة ، وفي هذه الآية دليل على التحذير الشديد من الغيبة ، وأنها من الكبائر ، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت ، وذلك من الكبائر.
[١٣] يخبر تعالى أنه خلق بني آدم من أصل واحد ، وجنس واحد ، وكلهم من ذكر وأنثى ، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء ، ولكن الله تعالى بث منهما رجالا كثيرا ونساء ، وفرقهم ، وجعلهم شعوبا وقبائل ، أي : قبائل صغارا وكبارا ، وذلك لأجل أن يتعارفوا ، فإنه لو استقل كلّ واحد منهم بنفسه ، لم يحصل بذلك التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون والتوارث ، والقيام بحقوق الأقارب ، ولكن الله جعلهم شعوبا وقبائل ، لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها مما يتوقف على التعارف ، ولحوق الأنساب ، ولكن الكرم بالتقوى. فأكرمهم عند الله أتقاهم ، وهو أكثرهم طاعة ، وانكفافا عن المعاصي ، لا أكثرهم قرابة وقوما ، ولا أشرفهم نسبا. ولكن الله تعالى عليم خبير ، يعلم منهم من يقوم بتقوى الله ، ظاهرا وباطنا ، فيجازي كلّا بما يستحق. وفي هذه الآية دليل على أن معرفة الأنساب مطلوبة مشروعة ، لأن الله جعلهم شعوبا وقبائل لأجل ذلك.
[١٤] يخبر تعالى عن مقالة بعض الأعراب الّذين دخلوا في الإسلام على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخولا من غير بصيرة ، ولا قيام بما يجب ويقتضيه الإيمان ، أنهم مع هذا ادعوا وقالوا : آمنا ، أي : إيمانا كاملا ، مستوفيا لجميع أموره ، فأمر الله رسوله ، أن يرد عليهم ، فقال : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) ، أي : لا تدّعوا لأنفسكم مقام الإيمان ، ظاهرا وباطنا ، كاملا. (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ، أي : دخلنا في الإسلام ، واقتصروا على ذلك. (وَ) السبب في ذلك ، أنه (لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) وإنما أسلمتم خوفا أو رجاء أو نحو ذلك ، مما هو السبب في إيمانكم ، فلذلك لم تدخل بشاشة الإيمان في قلوبكم. وفي قوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، أي : وقت هذا الكلام الذي صدر منكم ، فكان فيه إشارة إلى أحوالهم بعد ذلك ، فإن كثيرا منهم منّ الله عليهم بالإيمان الحقيقي ، والجهاد في سبيل الله. (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بفعل خير ، أو ترك شر (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) ، أي : لا ينقصكم منها مثقال ذرة ، بل يوفيكم إياها ، أكمل ما تكون لا تفقدون منها صغيرا ولا كبيرا. (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، أي : غفور لمن تاب إليه وأناب ، رحيم به ، حيث قبل توبته.
[١٥] (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) ، أي : على الحقيقة (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، أي : من جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله ، والجهاد في سبيله. فإن من جاهد الكفار ، دل ذلك على الإيمان التام في قلبه ؛ لأن من جاهد غيره على الإسلام ، والإيمان ، والقيام بشرائعه ، فجهاده لنفسه على ذلك ، من باب أولى وأحرى ؛ ولأن من لم يقو على الجهاد ، فإن ذلك دليل على ضعف إيمانه. وشرط تعالى في الإيمان عدم الريب ، أي : الشك ، لأن الإيمان النافع هو الجزم اليقيني بما أمر الله بالإيمان به ، الذي لا يعتريه شك بوجه من الوجوه. وقوله : (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) ، أي : الّذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم