سورة الذاريات
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] هذا قسم من الله الصادق في قيله ، بهذه المخلوقات العظيمة التي جعل الله فيها من المصالح والمنافع ، ما جعل على أن وعده صدق ، وأن الدين الذي هو يوم الجزاء والمحاسبة على الأعمال ، لواقع لا محالة ، ما له من دافع. فإذا أخبر به الصادق العظيم وأقسم عليه ، وأقام الأدلة والبراهين عليه ، فلم يكذب به المكذبون ، ويعرض عن العمل له العاملون. (وَالذَّارِياتِ) هي الرياح التي تذور في هبوبها (ذَرْواً) بلينها ، ولطفها ، وقوتها ، وإزعاجها.
[٢] (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) (٢) ، هي : السحاب ، تحمل الماء الكثير ، الذي ينفع الله به العباد والبلاد.
[٣] (فَالْجارِياتِ يُسْراً) (٣) : النجوم التي تجري على وجه اليسر والسهولة ، فتتزين بها السماوات ، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، وينتفع بالاعتبار بها.
[٤] (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) (٤) الملائكة التي تقسم الأمر وتدبره بإذنه الله ، فكل منهم قد جعله الله على تدبير أمر من أمور الدنيا والآخرة ، لا يتعدى ما حدّ له وقدر ، ورسم ، ولا ينقص منه.
[٧] (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٧) ، أي : ذات الطرائق الحسنة ، التي تشبه حبك الرمال ، ومياه الغدران ، حين يحركها النسيم.
[٨] (إِنَّكُمْ) أيها المكذبون لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، (لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) منكم من يقول : ساحر ، ومنكم من يقول : كاهن ، ومنكم من يقول : مجنون ، إلى غير ذلك من الأقوال المختلفة ، الدالة على حيرتهم وشكهم ، وأن ما هم عليه باطل.
[٩] (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (٩) ، أي : يصرف عنه من صرف عن الإيمان ، وانصرف عن أدلة الله اليقينية وبراهينه ، واختلاف قولهم ، دليل على فساده وبطلانه ، كما أن الحق الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم متفق ، يصدق بعضه بعضا ، لا تناقض فيه ، ولا اختلاف ، وذلك دليل على صحته ، وأنه من عند الله (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
[١٠] يقول تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (١٠) ، أي : قاتل الله الذين كذبوا على الله ، وجحدوا آياته ، وخاضوا بالباطل ، ليدحضوا به الحق ، الذين يقولون على الله ما لا يعلمون.
[١١] (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) ، أي : في لجة من الكفر ، والجهل ، والضلال (ساهُونَ).
[١٢] (يَسْئَلُونَ) عن وجه الشك والتكذيب في (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) ، أي : متى يبعثون ، مستبعدين لذلك.
[١٣] فلا تسأل عن حالهم وسوء مآلهم (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) (١٣) ، أي : يعذبون بسبب ما انطووا عليه من خبث الباطن والظاهر ، ويقال لهم :
[١٤] (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) ، أي : العذاب والنار ، الذي هو أثر ما افتتنوا به ، من الابتلاء الذي صيرهم إلى الكفر والضلال. (هذَا) العذاب ، الذي وصلتم إليه ، هو (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ). فالآن تمتعوا بأنواع العقاب والنكال ، والسلاسل والأغلال ، والسخط والوبال.
[١٥] يقول تعالى ـ في ذكر ثواب المتقين وأعمالهم ، التي وصلوا بها إلى ذلك الجزء ـ : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) ، أي : الذين كانت التقوى شعارهم ، وطاعة الله دثارهم. (فِي جَنَّاتٍ) مشتملات على جميع أصناف الأشجار والفواكه التي يوجد لها نظير في الدنيا ، والتي لا يوجد لها نظير ، مما لم تنظر العيون إلى مثله ، ولم يخطر على قلب بشر. (وَعُيُونٍ) سارحة ، تشرب منها تلك البساتين ، ويشرب بها عباد الله ، يفجرونها تفجيرا.
[١٦] (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) : يحتمل أن المعنى أن أهل الجنة قد أعطاهم مولاهم جميع مناهم ، من جميع أصناف النعيم ، فأخذوا ذلك ، راضين به ، قد قرت به أعينهم ، وفرحت به نفوسهم ، ولم يطلبوا منه بدلا ، ولا يبغون عنه حولا ، وكل قد ناله من النعيم ، ما لا يطلب عليه المزيد. ويحتمل أن هذا وصف المتقين في الدنيا ، وأنهم آخذون ما آتاهم الله ، من الأوامر والنواهي ، أي :