وتفرقوا في مهامه القفار ، ولجج البحار ، فلا يفوته منهم أحد ، ويعلم ما تنقص الأرض منهم ، فسبحان القوي المتين.
[٥٩] أي : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) بتكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوسلم من العذاب والنكال (ذَنُوباً) ، أي : نصيبا وقسطا ، مثل ما فعل بأصحابهم من أهل الظلم والتكذيب. (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) بالعذاب ، فإن سنة الله في الأمم واحدة. فكل مكذب يدوم على تكذيبه من غير توبه وإنابة ، فإنه لا بد أن يقع عليه العذاب ، ولو تأخر عنه مدة ، ولهذا توعدهم الله بيوم القيامة ، فقال :
[٦٠] (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٦٠) وهو يوم القيامة ، الذي قد وعدوا فيه بأنواع العذاب والنكال والأغلال ، فلا مغيث ، ولا منقذ لهم من عذاب الله. نعوذ بالله منه. تم تفسير سورة الذاريات.
سورة الطور
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يقسم تعالى بهذه الأمور العظيمة ، المشتملة على الحكم الجليلة ، على البعث والجزاء للمتقين ، والمكذبين ، فأقسم بالطور ، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران ، عليه الصلاة والسّلام ، وأوحى إليه ما أوحى من الأحكام. وفي ذلك من المنة عليه وعلى أمته ، ما هو من آيات الله العظيمة ، ونعمه الّتي لا يقدر العباد لها على عدّ ولا ثمن.
[٢] (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) (٢) يحتمل أن المراد به اللوح المحفوظ ، الذي كتب الله به كلّ شيء ، ويحتمل أن المراد به القرآن الكريم ، الذي هو أفضل الكتب ، أنزله الله محتويا على نبأ الأولين والآخرين ، وعلوم السابقين واللاحقين.
[٣] وقوله : (فِي رَقٍ) ، أي : ورق (مَنْشُورٍ) ، أي : مكتوب مسطور ، ظاهر غير خفي ، لا تخفى حاله على كل عاقل بصير.
[٤] (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) (٤) وهو البيت الذي فوق السماء السابعة ، المعمور مدى الأوقات ، بالملائكة الكرام ، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ، يتعبدون فيه لربهم ، ثمّ لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ، وقيل : إن البيت المعمور هو بيت الله الحرام ، والمعمور بالطائفين ، والمصلين ، والذاكرين كلّ وقت ، وبالوفود إليه بالحج والعمرة. كما أقسم الله به في قوله : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٣) ، وحقيق ببيت هو أفضل بيوت الأرض ، الذي يقصده الناس بالحج والعمرة ، أحد أركان الإسلام ، ومبانيه العظام ، الّتي لا يتم إلا بها ، وهو الذي بناه إبراهيم وإسماعيل ، وجعله الله مثابة للناس وأمنا ، أن يقسم الله به ، ويبين من عظمته ما هو اللائق به وبحرمته.
[٥] (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) (٥) ، أي : السماء ، الّتي جعلها الله سقفا للمخلوقات ، وبناء للأرض ، تستمد منه أنوارها ، ويقتدى بعلاماتها ومنارها ، وينزل الله منها المطر والرحمة ، وأنواع الرزق.
[٦] (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (٦) ، أي : المملوء ماء ، قد سجره الله ، ومنعه من أن يفيض على وجه الأرض ، مع أن مقتضى الطبيعة ، أن يغمر وجه الأرض ، ولكن حكمته اقتضت أن يمنعه عن الجريان والفيضان ، ليعيش من على وجه الأرض ، من أنواع الحيوان.