وأنه لو قام على الحقّ كلّ دليل لما اتبعوه ، ولخالفوه وعاندوا. (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً) ، أي : لو سقط عليهم من السماء من الآيات الباهرة ، كسف ، أي : قطع كبار من العذاب (يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) ، أي : هذا سحاب متراكم على العادة. أي : فلا يبالون بما رأوا من الآيات ، ولا يعتبرون بها.
[٤٥] وهؤلاء لا دواء لهم ، إلا العذاب والنكال ، ولهذا قال : (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) (٤٥) وهو يوم القيامة الذي يصيبهم فيه من العذاب ، ما لا يقادر قدره ، ولا يوصف أمره.
[٤٦] (يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) ، أي : لا قليلا ولا كثيرا. وإن كان في الدنيا ، قد يوجد منهم كيد يعيشون به زمنا قليلا ، فيوم القيامة يضمحل كيدهم ، وتبطل مساعيهم ، ولا ينتصرون من عذاب الله (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ).
[٤٧] لما ذكر الله عذاب الظالمين في الآخرة ، أخبر أن لهم عذابا قبل عذاب يوم القيامة ، وذلك شامل لعذاب الدنيا ، بالقتل والسبي والإخراج من الديار ، ولعذاب البرزخ والقبر. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ، أي : فلذلك أقاموا على ما يوجب العذاب ، وشدة العقاب.
[٤٨] ولما بين تعالى الحجج والبراهين على بطلان أقوال المكذبين ، أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن لا يعبأ بهم شيئا ، وأن يصبر لحكم ربه القدري ، والشرعي بلزومه ، والاستقامة عليه ، ووعده الله الكفاية بقوله : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) ، أي : بمرأى منا ، وحفظ ، واعتناء بأمرك. وأمره أن يستعين على الصبر بالذكر والعبادة ، فقال : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) من الليل.
[٤٩] ففيه الأمر بقيام الليل ، أو حين تقوم إلى الصلوات الخمس ، بدليل قوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) (٤٩) ، أي : آخر الليل ، ويدخل فيه صلاة الفجر ، والله أعلم. تم تفسير سورة الطور ـ والحمد لله.
تفسير سورة النجم
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يقسم تعالى بالنجم عند هويّه ، أي : سقوطه في الأفق في آخر الليل عند إدبار الليل ، وإقبال النهار ، لأن في ذلك من الآيات العظيمة ، ما أوجب أن أقسم به ، والصحيح أن النجم ، اسم جنس شامل للنجوم كلها. وأقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم من الوحي الإلهي ، لأن في ذلك مناسبة عجيبة ، فإن الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء ، فكذلك الوحي وآثاره ، زينة للأرض ، فلو لا العلم الموروث من الأنبياء ، لكان الناس في ظلمة أشد من ظلمة الليل البهيم. والمقسم عليه ، تنزيه الرسول عن الضلال في علمه ، والغيّ في قصده. ويلزم من ذلك أن يكون مهتديا في علمه ، هاديا ، حسن القصد ، ناصحا للخلق. وبعكس ما عليه أهل الضلال من فساد العلم ،