وَنَهَرٍ) ، أي : في جنات النعيم ، التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، من الأشجار اليانعة ، والأنهار الجارية ، والقصور الرفيعة ، والمنازل الأنيقة ، والمآكل والمشارب اللذيذة ، والحور الحسان ، والروضات البهيات في الجنان ، ورضا الملك الديان ، والفوز بقربه ، ولهذا قال :
[٥٥] (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥٥) فلا تسأل بعد هذا عما يعطيهم ربهم من كرامته وجوده ، ويمدهم به من إحسانه ومنته. جعلنا الله منهم ، ولا حرمنا خير ما عنده ، بشرّ ما عندنا. تم تفسير سورة القمر ـ والحمد لله.
سورة الرحمن
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] هذه السورة الكريمة الجليلة ، افتتحها باسمه «الرحمن» الدال على سعة رحمته ، وعموم إحسانه ، وجزيل بره ، وواسع فضله. ثمّ ذكر ما يدل على رحمته وأثرها ، الذي أوصله الله إلى عباده من النعم الدينية والدنيوية والأخروية. وبعد كلّ جنس ونوع من نعمه ، ينبه الثقلين لشكره ، ويقول : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
[٢] فذكر أنه (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (٢) ، أي : علم عباده ألفاظه ومعانيه ، ويسرها على عباده ، وهذا أعظم منة ورحمة ، رحم بها العباد ، حيث أنزل عليهم قرآنا عربيا بأحسن الألفاظ ، وأوضح المعاني ، مشتمل على كلّ خير ، زاجر عن كلّ شر.
[٣] (خَلَقَ الْإِنْسانَ) (٣) في أحسن تقويم كامل الأعضاء ، مستوفي الأجزاء ، محكم البناء ، قد أتقن البارئ تعالى البديع خلقه أيّ إتقان ، وميّزه على سائر الحيوانات.
[٤] بأن (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) (٤) ، أي : التبين عما في ضميره ، وهذا شامل للتعليم النطقي والتعليم الخطي ، فالبيان الذي ميز الله به الآدمي على غيره من أجلّ نعمه ، وأكبرها عليه.
[٥] (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (٥) ، أي : خلق الله الشمس والقمر ، وسخرهما يجريان بحساب مقنن ، وتقدير مقدر ، رحمة بالعباد ، وعناية بهم ، وليقوم بذلك من مصالحهم ما يقوم ، وليعرفوا عدد السنين والحساب.
[٦] (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (٦) ، أي : نجوم السماء ، وأشجار الأرض ، تعرف ربها وتسجد له ، وتطيع وتخضع ، تنقاد لما سخرها له من مصالح عباده ومنافعهم.
[٧] (وَالسَّماءَ رَفَعَها) سقفها للمخلوقات الأرضية. (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) ، أي : العدل بين العباد ، في الأقوال والأفعال ، وليس المراد به الميزان المعروف وحده ، بل هو كما ذكرنا ، يدخل فيه الميزان المعروف ، والمكيال الذي به تكال الأشياء والمقادير ، والمساحات الّتي تضبط بها المجهولات ، والحقائق الّتي يفصل بها بين المخلوقات ، ويقام بها العدل بينهم ، ولهذا قال :
[٨] (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) (٨) ، أي : أنزل الله الميزان ، لئلا تتجاوزوا الحد في الحقوق والأمور ، فإن الأمر لو كان يرجع إلى عقولكم وآرائكم ، لحصل من الخلل ما الله به عليم ، ولفسدت السماوات والأرض ومن فيهن.
[٩] (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) ، أي : اجعلوه قائما بالعدل ، الذي تصل إليه مقدرتكم وإمكانكم. (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) أي : لا