تنقصوه وتعملوا بضده وهو الجور والظلم والطغيان.
[١٠] (وَالْأَرْضَ وَضَعَها) الله على ما كانت عليه من الكثافة والاستقرار واختلاف أوصافها وأحوالها (لِلْأَنامِ) ، أي : للخلق ، لكي يستقروا عليها ، وتكون لهم مهادا ، وفراشا يبنون بها ، ويحرثون ويغرسون ، ويحفرون ، ويسلكون سبلها فجاجا ، وينتفعون بمعادنها ، وجميع ما فيها ، مما تدعو إليه حاجتهم بل ضرورتهم.
[١١] ثمّ ذكر ما فيها من الأقوات الضرورية ، فقال : (فِيها فاكِهَةٌ) وهي جميع الأشجار الّتي تثمر الثمرات الّتي يتفكه بها العباد ، من العنب ، والتين ، والرمان ، والتفاح ، وغير ذلك. (وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) ، أي : ذات الوعاء الذي ينفلق عن القنوان الّتي تخرج شيئا فشيئا حتى تتم ، فتكون قوتا يدخر ويؤكل ، ويتزود منه المقيم والمسافر ، وفاكهة لذيذة من أحسن الفواكه.
[١٢] (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ) ، أي : ذو الساق الذي يداس ، فينتفع بتبنه للأنعام وغيرها ، ويدخل في ذلك حب البر ، والشعير ، والذرة ، والأرز ، والدخن وغير ذلك. (وَالرَّيْحانُ) يحتمل أن المراد به جميع الأرزاق الّتي يأكلها الآدميون ، فيكون هذا من باب عطف العام على الخاص ، ويكون الله قد امتنّ على عباده بالقوت والرزق ، عموما وخصوصا. ويحتمل أن المراد بالريحان ، المعروف ، وأن الله امتنّ على عباده بما يسره في الأرض من أنواع الروائح الطيبة ، والمشام الفاخرة ، الّتي تسر الأرواح ، وتنشرح لها النفوس.
[١٣] ولما ذكر جملة كثيرة من نعمه الّتي تشاهد بالأبصار والبصائر ، وكان الخطاب للثقلين ، الجن والإنس ، قررهم تعالى بنعمه فقال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٣) ، أي : فبأي نعم الله الدينية والدنيوية تكذبان؟ وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلىاللهعليهوسلم هذه السورة ، فكلما مر بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٣) ، قالوا : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد ، فهكذا ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه ، أن يقرّ بها ، ويشكر ، ويحمد الله عليها.
[١٤ ـ ١٦] ثمّ قال تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) إلى (تُكَذِّبانِ). وهذا من نعمه تعالى على عباده ، حيث أراهم من آثار قدرته وبديع صنعته ، أن (خَلَقَ) أبا (الْإِنْسانَ) وهو آدم عليهالسلام (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) ، أي : من طين مبلول ، قد أحكم بله ، وأتقن ، حتى جف ، فصار له صلصلة وصوت ، يشبه صوت الفخار ، وهو الطين المشوي. (وَخَلَقَ الْجَانَ) ، أي : أبا الجن ، وهو إبليس لعنه الله (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) ، أي : من لهب النار الصافي ، أو الذي قد خالطه الدخان. وهذا يدل على شرف عنصر الآدمي المخلوق من الطين والتراب ، الذي هو محل الرزانة والثقل والمنافع ، بخلاف عنصر الجان وهو النار ، الّتي هي محل الخفة والطيش ، والشر والفساد. ولما بين خلق الثقلين ومادة ذلك ، وكان منة منه تعالى عليهم ، قال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٦).
[١٩ ـ ٢٣] أي : هو تعالى رب كلّ ما أشرقت عليه الشمس والقمر ، والكواكب النيرة ، وكلّ ما غربت عنه ، وكلّ ما كانا فيه ، فالجميع تحت تدبيره وربوبيته ، وثنّاهما هنا ، باعتبار مشارقها ، شتاء وصيفا ، والله أعلم. المراد بالبحرين : البحر العذاب ، والبحر المالح ، فهما يلتقيان ، فيصب العذب في البحر المالح ، ويختلطان ويمتزجان ، ولكن الله تعالى جعل بينهما برزخا من الأرض ، حتى لا يبغي أحدهما على الآخر ، ويحصل النفع بكل منهما. فالعذب : منه يشربون وتشرب أشجارهم وزروعهم وحروثهم ، والملح : به يطيب الهواء ويتولد السمك والحوت ، واللؤلؤ والمرجان ، ويكون مستقرا مسخرا للسفن والمراكب ، ولهذا قال : (وَلَهُ الْجَوارِ) إلى : (تُكَذِّبانِ).
[٢٤ ـ ٢٥] أي : وسخر تعالى لعباده السفن والجواري ، الّتي تمخر البحر ، وتشقه بإذن الله ، ينشئها الآدميون ، فتكون من عظمها وكبرها ، كالأعلام ، وهي : الجبال العظيمة. فيركبها الناس ويحملون عليها أمتعتهم ، وأنواع تجاراتهم وغير ذلك مما تدعو إليه حاجتهم وضرورتهم ، وقد حفظها حافظ السماوات والأرض ، وهذه من نعم الله